خالد فخرو لـ “البلاد”: دراستنا في الخارج جعلتنا نؤمن بأهمية المشاركة في بناء الدولة

لم تكن الدراسة في الخارج مجرد تحصيل علمي، بل كانت في سبعينات القرن الماضي امتدادًا طبيعيًا للحلم الوطني، وتجربة إنسانية وسياسية وثقافية متكاملة، إذ شدّت مجموعة من الطلبة البحرينيين الرحال إلى الهند في تلك المرحلة المبكرة، حاملين معهم طموح العلم، ووعي الانتماء، ومسؤولية تمثيل الوطن. وفي تلك المرحلة، تشكّلت قصة وعي مبكر، اختلط فيها العلم بالوطنية، والغربة بالانتماء. تجربة خالد فخرو ورفاقه ليست مجرد ذكرى شخصية، بل صفحة مضيئة من تاريخ الشباب البحريني، حين كان الطالب سفيرًا لوطنه، وصوتًا له، حتى وهو بعيد عن شواطئه. وكان فخرو حاضرًا في قلب الحدث، طالبًا، ومنظمًا، وفاعلًا في العمل الطلابي، ونائبًا لرئيس رابطة طلبة البحرين في بومباي، في وقت كانت فيه البحرين ترسخ حضورها الدولي، وتؤكد مكانتها على الساحة العالمية. في هذا اللقاء مع “البلاد”، يستعيد فخرو تلك الذاكرة النادرة، مستندًا إلى وثائق وقصاصات صحافية أصلية؛ ليروي كيف لعب الشباب البحريني دورًا وطنيًا واعيًا، وهم على مقاعد الدراسة، بعيدًا عن الوطن، وقريبين منه في المعنى والانتماء. وفيما يلي نصه: بداية، كيف تتذكر قرار الدراسة في الهند، وماذا كانت تمثل لكم تلك الخطوة في ذلك الزمن؟ في ذلك الوقت، لم يكن السفر للدراسة في الخارج أمرًا سهلًا أو شائعًا كما هو اليوم، فيما كانت الهند خيارًا علميًا مهمًا، خصوصًا لما تتمتع به من جامعات عريقة، وانفتاح ثقافي، وحضور عربي وخليجي.  بالنسبة لنا كطلبة بحرينيين، كان القرار يحمل بُعدين: بُعدًا علميًا نسعى من خلاله لبناء مستقبلنا، وبُعدًا وطنيًا غير معلن، يتمثل في تمثيل البحرين بصورة مشرّفة، بمرحلة تاريخية مفصلية. تشير القصاصات الصحافية القديمة إلى وجود تنظيم طلابي نشط. كيف تأسست رابطة طلبة البحرين في بومباي؟ الرابطة لم تُؤسس بقرار رسمي، بل نشأت من الحاجة، كنا نبحث عن إطار يجمعنا، يحفظ هويتنا، وينظم شؤوننا، ويجعل صوتنا مسموعًا. وتشكلت بروح تطوعية خالصة، وتولى رئاستها الأخ عبدالنبـي الشـعلة، وكنتُ نائبًا للرئيس، عملنا كان جماعيًا وتشاركيًا، وهو ما منح الرابطة قوة واستمرارية. توثّق إحدى الوثائق دعوتكم الرسمية للاحتفال بانضمام البحرين إلى عضوية الأمم المتحدة في أغسطس 1971، ماذا تتذكر عن ذلك الحدث؟ ذلك الحدث لا يُنسى، كنا طلبة، لكننا شعرنا بأننا نمثل وطنًا كاملًا. الاحتفال أُقيم في فندق “بومباي إنترناشونال”، بحضور شخصيات دبلوماسية وأكاديمية، وممثلين عن الجاليات العربية والهندية. تنظيم رابطة طلابية بحرينية احتفالًا بهذه المناسبة الوطنية في الخارج، في تلك المرحلة، كان رسالة وعي وانتماء تعكس إدراكنا لأهمية الحدث ومكانة البحرين الدولية. ما الذي كان يعنيه لكم هذا الحدث وأنتم خارج البحرين؟ كان شعورًا مزدوجًا؛ فخرًا بالوطن، وحنينًا إليه، كنا ندرك أننا نشهد محطة تاريخية، وأن علينا مسؤولية أخلاقية في نقل صورة البحرين الحديثة: دولة تسعى للاستقرار، والانفتاح، وبناء علاقات صداقة مع مختلف شعوب العالم. تشير الأخبار الصحافية حينها إلى معارض ثقافية شاركتم فيها، فما هدفها؟ شاركنا في معارض دولية للطلبة الأجانب، وكان لكل دولة جناحها. جناح البحرين، على رغم بساطته، حظي باهتمام كبير، إذ عرضنا صورًا ومواد تعريفية تعبّر عن تاريخ البحرين ونهضتها وموقعها الحضاري.  الهدف لم يكن الاستعراض، بل التعريف بالبحرين كدولة عربية ذات عمق تاريخي وحضور إنساني. كيف كانت علاقتكم بالطلبة العرب والجاليات الأخرى؟ علاقة ممتازة. كنا جزءًا من النسيج الطلابي العربي، وشاركنا في فعاليات مشتركة مع طلبة من الكويت والأردن وفلسطين ومصر وغيرها، إضافة إلى علاقات مميزة مع الطلبة الهنود؛ ما عزز روح الصداقة العربية الهندية في تلك المرحلة. هل يمكن القول إن العمل الطلابي أسهم في بناء وعيكم الوطني لاحقًا؟ بلا شك. العمل الطلابي علّمنا التنظيم، والحوار، وتحمل المسؤولية، والعمل الجماعي.  هذه التجربة انعكست لاحقًا على مساراتنا المهنية والاجتماعية، وعاد كثير منا إلى البحرين بقناعة راسخة بأهمية المشاركة الإيجابية في بناء الدولة. ماذا تمثل لك اليوم الأخبار الصحافية والوثائق القديمة؟ هي ليست أوراقًا صفراء، بل ذاكرة وطن، توثّق مرحلة كان فيها الشباب البحريني حاضرًا وواعيًا ومسؤولًا. أعتز بأنها مازالت محفوظة؛ لأنها تذكّر الأجيال الجديدة بأن الوطن يُبنى أيضًا بجهود شبابه في الداخل والخارج. ما الرسالة التي توجهها لشباب البحرين اليوم؟ أن يدركوا أن لكل مرحلة أدواتها، لكن الجوهر واحد: حب الوطن، والالتزام بقيمه، والاستثمار في العلم والعمل. نحن درسنا في ظروف مختلفة، لكن الإيمان بالبحرين هو ما جمعنا، واليوم الفرص أكبر، والمسؤولية أعظم.