لماذا فشل “الأمن” حين أصبح بديلاً عن الدولة؟

المشكلة الجوهرية في التجربة السورية أن الأمن لم يُستخدم لحماية الدولة، بل ليحلّ محلها. ومع الوقت، فقد الأمن نفسه معناه الوظيفي، وتحول إلى عبء دائم على المجتمع. فالأمن الذي لا يستند إلى قانون، ولا يخضع لمساءلة، ولا يعمل ضمن مؤسسات شفافة، يتحول حتمًا إلى قوة هدم، حتى لو ادّعى أنه يحمي الاستقرار. الدول التي نجحت في تجاربها الحديثة لم تفعل ذلك عبر تكثيف الأجهزة، بل عبر تقليص دورها وربطها بالقضاء والبرلمان والرأي العام. أما في سوريا، فقد جرى العكس تمامًا: كل أزمة كانت تُواجَه بمزيد من القبضة، وكل خلل يُغطّى بمزيد من الخوف. وهنا وقع الخطأ القاتل، لأن الخوف قد يجمّد المجتمع مؤقتًا، لكنه لا يبنيه ولا يضمن ولاءه. الأمن الحقيقي لا يُقاس بعدد الأجهزة ولا بعدد المعتقلين، بل بقدرة الدولة على جعل المواطن يشعر أن كرامته مصونة، وأن القانون يحميه لا يترصده. وحين تغيب هذه المعادلة، يتحول الأمن إلى عامل قلق دائم، ويصبح الاستقرار مجرد هدوء هشّ قابل للانفجار عند أول صدمة. في الحالة السورية، أُغلقت كل قنوات التصحيح السلمي: لا إعلام حر، لا قضاء مستقل، لا سياسة حقيقية. ومع غياب هذه الصمّامات، تراكم الغضب تحت السطح سنوات طويلة، حتى لم يعد ممكنًا احتواؤه بالوسائل نفسها التي صُنعت أصلًا لإسكاته. وهنا يظهر الفشل البنيوي: النظام الذي يمنع المجتمع من التنفّس، لا يستطيع إنقاذه حين يختنق. لهذا، فإن أي حديث عن "الاستقرار” بمعزل عن العدالة والكرامة هو حديث مؤقت وخادع. الاستقرار لا يُفرض، بل يُبنى. وما لم تُدرك سوريا الجديدة هذه الحقيقة، فإن الخطر لن يكون في الماضي فقط، بل في تكراره بصيغ مختلفة. .