أكدت الدكتورة مها الرميحي، مديرة مدرسة طارق بن زياد بمؤسسة قطر، أن قطاع التعليم في دولة قطر شهد تطورًا لافتًا خلال فترة زمنية وجيزة، مدفوعًا بتركيز الدولة في موازناتها على قطاعي التعليم والصحة، إلى جانب الاستثمار في العنصر البشري بوصفه الركيزة الأساسية لبناء بنية تحتية تعليمية متقدمة. وأشارت إلى أن المؤشرات العالمية تعكس بوضوح جودة التعليم في الدولة ومستوى التقدم الذي حققه. وأوضحت د. الرميحي أن التعليم في قطر مرّ بمحطات تاريخية مهمة، بدءًا من مرحلة الكتاتيب في ستينيات القرن الماضي، وصولًا إلى النقلة النوعية التي شهدها عام 2003، والتي أحدثت تحولًا جوهريًا في منظومة التعليم التقليدي، من خلال تحديث المناهج، وتعدد مصادر التعلم، ومنح المعلم مساحة أوسع للحرية والإبداع في اختيار الأدوات التعليمية. وبيّنت أن دور المعلم لم يعد مقتصرًا على الكتاب المدرسي، بل أصبح باحثًا عن مصادر معرفية متنوعة من مختلف دول العالم، تشمل الكتب الهادفة، وأدب الأطفال، والفيديوهات التعليمية، بما يسهم في إيصال المفاهيم التعليمية بطرق مبتكرة وفعّالة داخل الصف الدراسي. وأشارت إلى أن هذا التحول رافقه بعض التحديات، أبرزها محدودية وعي أولياء الأمور في بدايات الثورة التعليمية بطبيعة التغيرات التي طرأت، خاصة ما يتعلق بتعزيز اللغة الإنجليزية. واعتبرت أن إشراك أولياء الأمور في اتخاذ القرار كان عنصرًا حاسمًا لضمان تقبّل التغيير ودعم مسار التطور في التعليم الحديث والبحث العلمي بشكل تدريجي. - اللغة بين الهوية ومتطلبات العالمية وأوضحت د. الرميحي أن اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة تدريس في بعض المراحل والمواد، خصوصًا العلوم والرياضيات، جاء استجابة لمتطلبات التعليم الجامعي العالمي، مع التأكيد على أن التعليم الوطني يظل مرتكزًا على اللغة العربية بوصفها اللغة الأم. وأضافت أن تدريس المواد الأساسية باللغة العربية، مع إدخال المصطلحات الأجنبية، يحقق توازنًا يساعد الطالب على الفهم العميق والاستعداد الأكاديمي للمستقبل. وأكدت أن الدراسات التربوية أثبتت أن استيعاب مفاهيم الرياضيات والعلوم يكون أفضل عند تعلمها باللغة الأم أولًا، ثم الانتقال لفهمها باللغة الأجنبية. وحول الخطوات التحديثية في منظومة التعليم، أوضحت مديرة مدرسة طارق بن زياد أن المرحلة الأخيرة شهدت توقف تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية في بعض السياقات، وإنهاء تجربة المدارس المستقلة، والعودة إلى إطار تعليمي مركزي موحد تتبعه المدارس وفق رؤية وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، مع الحفاظ على مساحة الإبداع للمعلم والمدرسة ضمن منهج موحد. - مفهوم ثنائية اللغة في المدارس وبيّنت أن ثنائية اللغة تعني استخدام لغتين في التعليم بغض النظر عن نسبة التدريس، مشيرة إلى أن المدارس الحكومية اليوم تُعد ثنائية اللغة بنسبة تقارب 90% للغة العربية و10% للغة الإنجليزية. أما في مدرسة طارق بن زياد، فيُطبق نموذج متوازن بنسبة 50% لكل من اللغتين، حيث تُدرّس بعض المواد باللغة الإنجليزية، وأخرى باللغة العربية، وهو نموذج معمول به في العديد من مدارس مؤسسة قطر والمدارس الخاصة بنسب متفاوتة. وأوضحت أن المدرسة تعتمد توزيعًا مدروسًا للمواد، حيث تُدرّس الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية باللغة الإنجليزية، فيما تُدرّس مواد تاريخ قطر، واللغة العربية، والتربية الإسلامية، والتراث القطري باللغة العربية، بينما تُدرّس بعض المواد كالفنون والدراما والمكتبة بالتناوب بين اللغتين، وهو نموذج فريد يُطبق من مرحلة الروضة حتى الصف الخامس الابتدائي. وأكدت أن جميع مدارس مؤسسة قطر تأسست على مفهوم ثنائية اللغة، مشيدة بدور صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر في ترسيخ هذا التوجه، منذ إطلاق أكاديمية قطر – الدوحة عام 1995، بهدف دمج التعليم ثنائي اللغة مع الهوية والتراث القطري في مختلف المراحل التعليمية. - مدرسة طارق بن زياد… مدرسة الحلم وعن مدرسة طارق بن زياد، وصفتها الرميحي بأنها نموذج تعليمي ناجح بكل المقاييس، يحقق تطلعات أولياء الأمور في تعليم أبنائهم اللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب تعزيز الهوية الوطنية والانتماء الثقافي. وأشارت إلى أن المدرسة تولي أهمية كبيرة لتعزيز الشراكة مع أولياء الأمور وترسيخ الهوية القطرية من خلال التاريخ والحضارة والثقافة المحلية. واستعرضت تاريخ المدرسة، موضحة أنها كانت واحدة من ثلاث مدارس للبنين في ستينيات القرن الماضي، وبدأت بمعلم واحد وسبعة طلاب فقط، قبل أن تتوسع وتتحول إلى صرح تعليمي عريق خرّج العديد من القيادات الوطنية من وزراء وأطباء وأدباء وكفاءات بارزة، وأسهمت في مجالات التميز الأكاديمي والكشافة والموسيقى والفنون. وأشارت إلى أن المدرسة المطوّرة أُطلقت رسميًا عام 2019، حيث تم استقطاب الطلاب وأولياء الأمور، والعمل خلال أشهر قليلة على إعداد المناهج وبناء كادر تدريسي متكامل. وكشفت الرميحي عن إطلاق مادة الحضارة الإسلامية، بعد ملاحظة فجوة في مناهج البكالوريا الدولية، بهدف تعريف الطلاب بالحضارات الإسلامية والفتوحات والشخصيات القيادية العربية، مؤكدة أهمية إبراز التاريخ العربي والإسلامي في ظل التحديات الثقافية المعاصرة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي. وشددت على أهمية الحفاظ على اللهجة القطرية والهوية المحلية، حيث عملت المدرسة على إعداد منهج خاص لإحياء الألعاب الشعبية والأهازيج التراثية، مثل “الصبة” و“طاق طاق طاقية”، وإنتاج فيديوهات تعليمية قصيرة عُرضت عبر شاشات المدرسة، إلى جانب إدراج الموسيقى العربية والخليجية ضمن المنهج. واختتمت الرميحي حديثها بالتأكيد على سياسة “الباب المفتوح” المعتمدة في المدرسة، التي تتيح لأولياء الأمور المعايشة والحضور والتواصل المباشر مع المعلمين، إلى جانب دور رابطة أولياء الأمور في نقل المقترحات والملاحظات والشكاوى، بما يعزز الشراكة التربوية ويخدم مصلحة الطالب.