الجزيرة: هل يفجر الدور التركي بغزة وسوريا خلافا بين ترامب ونتنياهو؟

ترك برس سلّط تقرير لشبكة الجزيرة القطرية الضوء على خلافات بين واشنطن وتل أبيب بسبب الدور التركي المتنامي في غزة وسوريا. وأفاد التقرير أن أجندة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة ترتيب ملفات المنطقة تبدو عالقة عند عقدة مركزية تتقاطع فيها غزة وسوريا وتركيا، حيث تسعى واشنطن إلى مقاربة براغماتية تستند إلى الشراكة الإقليمية، في حين تصر حكومة بنيامين نتنياهو على تعريف أمني ضيق يرفض أي دور تركي مؤثر. هذا التباين لم يعد خلافا تكتيكيا عابرا، بل تحوّل -كما عكست حلقة برنامج ما وراء الخبر- إلى اختبار مبكر لقدرة ترامب على فرض رؤيته الإقليمية في مواجهة "لاءات" نتنياهو المتكررة، التي يقدّمها تحت عنوان استقلال القرار الأمني الإسرائيلي. زيارة المبعوث الأميركي توم براك إلى تل أبيب، وما رافقها من رسائل أميركية شديدة اللهجة، كشفت أن واشنطن لا تنظر إلى الملفات الثلاثة -غزة وسوريا ولبنان– بوصفها مسارات منفصلة، بل كحزمة واحدة تتطلب مقاربة إقليمية متماسكة، يكون لتركيا فيها دور محوري. في التصور الأميركي، لم تعد أنقرة مجرد فاعل جانبي، بل ركيزة ضرورية لإنجاح ترتيبات "اليوم التالي" في غزة، ولبناء استقرار طويل الأمد في سوريا، وهو ما عبّر عنه بوضوح المسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس واريك، حين أشار إلى أن واشنطن ترى في الشراكة مع تركيا مدخلا أمنيا وسياسيا لا يمكن تجاوزه. لكن هذه المقاربة تصطدم مباشرة برؤية نتنياهو، الذي يرى في أي انخراط تركي تهديدا مزدوجا: أولا لأنه يمنح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) غطاء سياسيا غير مباشر، وثانيا لأنه يحدّ من حرية إسرائيل في فرض وقائع أمنية أحادية، سواء في غزة أو جنوب سوريا. الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد اعتبر في حديثه لبرنامج ما وراء الخبر أن الهجوم الإسرائيلي على توم براك، واتهامه بالتحول إلى "محامٍ لتركيا"، لا يمكن فصله عن جوهر الخلاف، فالمسألة -بحسب قراءته- ليست شخصية، بل تتعلق بتناقض عميق في فلسفة إدارة الإقليم. وهم إستراتيجي فإسرائيل، كما يوضح شديد، ما زالت أسيرة منطق الإخضاع الأمني، وترى أن "سوريا الجديدة" يجب أن تُدار بالمعادلة نفسها التي استُخدمت سابقا مع الوجود الإيراني، في حين تعتقد إدارة ترامب أن أي استقرار في سوريا دون شراكة تركية هو وهم إستراتيجي. هذا التناقض ينسحب أيضا على غزة، حيث تراهن واشنطن على تشكيل "قوة تنفيذية" متعددة الأطراف، تمنحها تركيا شرعية إقليمية وقدرة عملية على التعامل مع الواقع المعقد في القطاع، في حين ترفض تل أبيب هذه الصيغة جملة وتفصيلا. أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور إبراهيم فريحات يرى أن إصرار ترامب على إشراك توم براك في هذه المهمة يعكس جدية أميركية غير مسبوقة، خصوصا بعد أن وضع الرئيس الأميركي نفسه ضمن إطار زمني معلن لتشكيل القوة التنفيذية. من هذا المنظور، تبدو مشاركة تركيا -وفق تحليل فريحات- حاجة أميركية وليست ترفا سياسيا، فهي تمنح الترتيبات المقترحة قبولا عربيا وإسلاميا، وتفتح قناة غير مباشرة مع حماس، بما يقلل احتمالات الانفجار الأمني في مرحلة ما بعد وقف الحرب. غير أن هذا الرهان الأميركي يصطدم بحسابات نتنياهو الداخلية، حيث يوظف رئيس الوزراء الإسرائيلي خطاب "التحدي" لواشنطن في سياق انتخابي، يسعى من خلاله إلى ترميم صورته كزعيم قادر على قول "لا" للحليف الأميركي. هذا ما يفسر -وفق قراءة عادل شديد- إصرار نتنياهو على تضخيم شعار "القرار الأمني المستقل"، رغم أن الوقائع تشير إلى أن إسرائيل لا تزال تتحرك ضمن سقف أميركي صارم، خاصة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. تقارب متسارع وفي الملف السوري، يتعمق الشرخ أكثر، فواشنطن تمضي في مسار تقارب متسارع مع دمشق، شمل رفع عقوبات وتوسيع التنسيق الأمني ضد تنظيم الدولة، في حين ترى إسرائيل في هذا المسار تهديدا مباشرا لقدرتها على التحكم بالجنوب السوري. وهنا، يشير توماس واريك بوضوح إلى أن إدارة ترامب تعتبر دمج سوريا في محيطها العربي "فرصة تاريخية"، وأن هذا الهدف يتطلب كبح التحركات الإسرائيلية التي قد تقوض هذا المسار، وهو ما يضع نتنياهو أمام معادلة صعبة. أما في لبنان، فيبدو المشهد أقل تصادما، إذ يلتقي الطرفان -الأميركي والإسرائيلي- على هدف إضعاف حزب الله، لكنهما يختلفان حول الأدوات والسقف الزمني، حيث تميل واشنطن إلى إدارة الضغط، في حين تدفع تل أبيب نحو خيارات أكثر خشونة. هذا التفاوت في المقاربات يعزز الانطباع بأن إدارة ترامب تحاول إعادة تعريف دور إسرائيل في الإقليم، من شريك مهيمن إلى لاعب ضمن منظومة أوسع، وهو تحول لا يبدو أن نتنياهو مستعد لتقبله بسهولة. في المحصلة، لا يدور الخلاف حول تركيا بحد ذاتها، بل حول من يملك حق رسم خرائط النفوذ وترتيب "اليوم التالي" في غزة وسوريا، ففي حين ترى واشنطن أن الشراكة الإقليمية هي الطريق الأقل كلفة، تصر تل أبيب على أن الأمن لا يُدار إلا بالقبضة المنفردة. هذا الصدام، وإن بدا حتى الآن مضبوط الإيقاع، مرشح للتصاعد مع اقتراب لقاء ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض، حيث ستُختبر قدرة الرئيس الأميركي على تحويل رؤيته الإقليمية من أفكار على الورق إلى وقائع سياسية، في مواجهة رئيس وزراء إسرائيلي لا يزال يراهن على سياسة الرفض والمماطلة.