يمثّل انضمام المملكة الأردنية الهاشمية إلى برنامج «الدخول العالمي» (Global Entry) خطوة نوعية تتجاوز بعدها الإجرائي المرتبط بتسهيل حركة المسافرين، لتلامس أبعادًا اقتصادية واستراتيجية أعمق تعكس موقع الأردن المتقدم ضمن منظومة الثقة الدولية في إدارة السفر والأمن والحوكمة المؤسسية. فهذا البرنامج، الذي تشرف عليه هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، لا يُمنح إلا للدول التي أثبتت التزامًا عاليًا بالمعايير الأمنية وتبادل المعلومات، ما يجعل العضوية فيه شهادة ضمنية على موثوقية الدولة ومؤسساتها. من الناحية الاقتصادية، يكتسب هذا الانضمام أهمية خاصة في ظل اقتصاد عالمي يتسم بتنافسية عالية على جذب الاستثمار، حيث بات عامل «سهولة الحركة» عنصرًا غير مباشر لكنه مؤثر في قرارات المستثمرين ورجال الأعمال. فتمكين رجال الأعمال الأردنيين، والمستثمرين، وأصحاب الشركات، والطلبة، من دخول الولايات المتحدة بإجراءات سريعة وميسّرة، يقلل من كلفة الوقت، ويرفع من كفاءة التنقل، ويعزز القدرة على بناء شراكات اقتصادية وتجارية مستدامة. وفي عالم الاقتصاد الحديث، يُعدّ الوقت موردًا اقتصاديًا لا يقل أهمية عن رأس المال، وتخفيض كلفة الانتظار والإجراءات ينعكس مباشرة على إنتاجية الأفراد والمؤسسات. كما أن هذا التطور يحمل رسالة إيجابية للأسواق الدولية مفادها أن الأردن شريك موثوق في سلاسل القيمة العالمية، وقادر على الاندماج في برامج تسهيل الحركة العابرة للحدود التي تُعد أحد أعمدة التجارة الحديثة والخدمات العابرة للدول. فالاقتصاد لم يعد محصورًا في حركة السلع فقط، بل أصبح يعتمد بدرجة متزايدة على حركة الأشخاص، ولا سيما في قطاعات الاستثمار، والخدمات المالية، والتعليم، والتكنولوجيا، والسياحة العلاجية. ومن هنا، فإن تسهيل وصول الأردنيين إلى واحدة من أكبر الأسواق العالمية يعزز من فرص نقل المعرفة، وتوسيع الشبكات المهنية، واستقطاب فرص جديدة للاقتصاد الوطني. ويكتسب البرنامج بعدًا غير مباشر في دعم تنافسية الاقتصاد الأردني، إذ يسهم في تحسين بيئة الأعمال من خلال تخفيف أحد العوائق غير المرئية التي تواجه المستثمرين ورواد الأعمال عند السفر المتكرر. كما ينسجم مع توجهات الأردن في تعزيز الاقتصاد القائم على الخدمات، والانفتاح على الشراكات الدولية، وتهيئة مناخ داعم لريادة الأعمال والابتكار، خاصة في القطاعات التي تتطلب تواصلًا مباشرًا ومستمرًا مع الأسواق المتقدمة. أما على المستوى الاستراتيجي، فإن انضمام الأردن إلى برنامج الدخول العالمي يعكس عمق العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة، ويعزز من مكانة المملكة كدولة مستقرة وموثوقة في منطقة تعاني من تحديات سياسية واقتصادية معقدة. وهو ما ينعكس إيجابًا على الصورة الذهنية للاقتصاد الأردني، ويمنحه ميزة إضافية في التنافس الإقليمي على جذب الاستثمارات والسياحة والتعليم الدولي. لذا، يمكن القول بإن برنامج الدخول العالمي علاوة على كونه مسار سريع في المطارات الأمريكية، هو أداة اقتصادية ناعمة تسهم في تعزيز كفاءة رأس المال البشري الأردني، وتدعم انفتاح الاقتصاد الوطني على العالم، وتكرّس موقع الأردن كشريك موثوق في الاقتصاد الدولي. وفي مرحلة تبحث فيها الدول عن أدوات غير تقليدية لتحفيز النمو وتعزيز الثقة، يأتي هذا الانضمام ليشكّل مكسبًا اقتصاديًا واستراتيجيًا يتجاوز أثره الفرد إلى المصلحة الوطنية الأشمل. .