رجل طاعن في السن ملأ الشعر الأبيض لحيته الطويلة رفع يده إلى السماء الواسعة وشاب يملؤه الطموح يترقب لحظة الانتصار، وطفل يمسك بوالدته، ويشاهد الدموع حائرة في عينيها.. العواطف تجيّشت صوب المنتخب السعودي الأول والمدرجات تصرخ والذهب هو الهدف، لكنه في حالة من التوهان اختفى وذهب وانكسرت النفوس بإخفاق جديد. مشهد تكرر طيلة الأعوام السبعة الماضية مع الأخضر منذ تزكية ياسر المسحل برئاسة الاتحاد السعودي لكرة القدم في يونيو 2019م، ومستمر في ولايته الثانية حتى الآن، وحارب الصقور الخضر في ولايتيه في ساحات خليجية وعربية وقارية، لكنه دائمًا ما يخرج خاسرًا ولم يتمكن من تحقيق أي لقب. اتحاد المسحل يواجه انتقادات مع كل إخفاق، ويرى المنتقدون أن رحيله هو الحل الوحيد ليستعيد الأخضر مكانته في الخارطة بعد الأعوام العجاف، لكن تنتهي تلك المطالب مع عودة عجلة الدوري السعودي والدخول في منافساته المحتدمة، فتتلون المدرجات ويسيل دم الحماس في وجوه العشاق، قبل أن يتخثر مع مشاركة جديدة للأخضر بقيادة اتحاد المسحل ويصابوا بخيبة أمل جديدة. إخفاقات اتحاد المسحل فيما يخص المنتخب الأول وهو المنتج الأهم لأي اتحاد كرة قدم في الأعوام السبعة الأخيرة، يقابله تطور لافت لمنتخبات عربية وآسيوية لم تكن موجودة على خارطة الإنجازات والبعض منها أصبح الأخضر نقطة عبور لها قبل وصولهم إلى الذهب والمنجز. فماذا حدث لمنتخبات قريبة من السعودية في عهد اتحاد المسحل؟ المنتخب البحريني الذي لم يذق طعم الإنجازات، كأس الخليج عامي 2019 و2025، والمنتخب القطري نال كأس آسيا 2023، بينما المنتخب الأردني وصل نهائي كأس آسيا 2023 ونهائي كأس العرب 2025، والمنتخب العراقي تُوِّج بكأس الخليج 2023، والمنتخب الجزائري خطف كأس إفريقيا 2019 وكأس العرب 2021، بينما المنتخب المغربي بلغ رابع مونديال 2022 ونهائي كأس العرب 2025. ويرى الكثير أنَّ تلك المنتخبات لم تحصل على الدعم المادي الكبير الذي حظي به الاتحاد السعودي لكرة القدم، ورغم ذلك عرفوا الطريق إلى منصات الذهب.. الوصول إلى تلك الألقاب لم يكن بمحض الصدفة بل جاء نتيجة عملٍ متقنٍ من قبل اتحادات تلك الدول، فمثلًا الاتحاد المغربي استثمر في أبنائه في المهجر وكوّن قاعدة محترفين، ويلعب بصفه الثاني أو الثالث في كأس العرب وينافس عليها بلاعبين من دوريه المحلي ومحترفين في الخليج. بينما المنتخب الأردني الذي كان الأخضر السعودي يتخطاه بكل سهولة في أعوام ما قبل اتحاد المسحل، وصل درجة تطوره إلى حد الفوز على الأخضر في الرياض ضمن المرحلة الثانية من تصفيات كأس العالم، وتأهل إلى نهائي آسيا للمرة الأولى في تاريخه يناير 2024، وكذلك إلى المونديال للمرة الأولى تاريخيًّا وأصبح يصدّر لاعبين للاحتراف الأوروبي على رأسهم موسى التعمري، نجم ستاد رين الفرنسي واعتمد على مدربين مغاربة بميزانيات محدودة. وبعيدًا عن العرب، لكن في آسيا المنتخب الإندونيسي الذي أحرج الأخضر في تصفيات مونديال العالم 2026، جنى ثمار برنامج وطني تبناه اتحاد اللعبة، واعتمد فيه على أبناء المهجر في أوروبا، وجلب لهم مدربين أجانب، آخرهم الهولندي باتريك كلويفرت، لتطبيق الكرة الشاملة، ونتاج ذلك صعدت للمرة الأولى إلى المرحلة الحاسمة من التصفيات، ولعبت الملحق الآسيوي. فيما المنتخبات الآسيوية الكبيرة مثل اليابان وكوريا الجنوبية زادت توهجها في الأعوام السبعة الأخيرة وحققوا إنجازات كان آخرها الوصول إلى المونديال بطريقة مثلى وبعيدة عن العقبات والملاحق. المنتخب السعودي يرى الغالبية من متابعيه ومحبيه أن عودته الحقيقية إلى منصات الذهب لن تكون إلا من خلال التغييرات الجذرية في اتحاده.