الأردن… عقل الدولة الكبيرة في قلب الإقليم المشتعل

المحامية رحمه العزه في منطقة يُعاد تشكيل تحالفاتها كل يوم، وتتفجر فيها الأزمات بسرعة يصعب معها التنبؤ، يبرز الأردن كأحد أكثر الدول قدرةً على إدارة الصراعات وتجاوز العواصف بأقل الخسائر، فعلى الرغم من محدودية موارده ووجوده في قلب الجغرافيا المشتعلة، أثبت الأردن أن الحكمة السياسية وبناء التحالفات الرشيدة يمكن أن تكون أقوى من حجم الجيوش أو ثروات الدول، لقد أرست مدرسة الملك عبدالله الثاني في التعامل مع الأزمات نهجًا واضحًا يقوم على الاعتدال والحوار والعمل الهادئ بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، ما منح الأردن مكانة دولية محترمة وجعل منه "بيئة عاقلة” في إقليم مضطرب. هذا النهج لم يكن شكليًا، بل أصبح أحد عناصر القوة الأردنية التي تُكسبه تأثيرًا يتجاوز مساحة الجغرافيا. وأن الموقف الأخلاقي الثابت تجاه القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ليس موقفًا عاطفيًا أو موسميًا، بل هو التزام تاريخي وإنساني يقوم على الإيمان بأن نصرة المظلوم واجب، وأن دعم الحقوق العادلة للشعوب هو معيار حقيقي لصدقية المبادئ، وتعبيرًا عن وحدة المصير العربي، ولا يتأثر بتبدل الظروف السياسية أو الضغوط الإقليمية والدولية، فالعدالة مبدأ ثابت، والكرامة الإنسانية قيمة لا تقبل المساومة. كما أن الخبرة المتراكمة في إدارة ملفات المنطقة على مدى عقود، نجح خلالها في حماية أمنه وتحقيق توازن دقيق بين مصالحه الوطنية والالتزامات القومية مثل: موجات اللجوء الكبرى من فلسطين، العراق، سوريا، وتصاعد الإرهاب والتطرف وما نتج عنه من تهديدات حدودية، والصراعات الخليجية – الخليجية، والحرب في سوريا وتأثيراتها الأمنية والاقتصادية، والتوترات في الضفة الغربية والقدس، فرغم جسامة هذه التحديات، تمكن الأردن من احتواء ارتداداتها بفضل منظومة أمنية محترفة ورؤية سياسية واقعية. كما تميّز الأردن بدبلوماسية "الأبواب المفتوحة”، التي تقوم على الوساطة الهادئة والتواصل مع جميع الأطراف دون عداوات أو اصطفافات أو إزدواجية معاييرها، هذا التوازن منح المملكة مصادر دعم متعددة وحمى قرارها الوطني من الارتهان لمحور واحد، وأكسبها استقلالية وإرادة واضحة في سياساتها الداخلية والخارجية. كما تعاملت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأردنية مع التهديدات الإقليمية باحترافية عالية، من خلال ضبط الحدود مع بؤر الصراع، وتفكيك الشبكات الإرهابية، وحماية الداخل من انعكاسات النزاعات المحيطة، وقد شكّل هذا الأداء حاجزًا صلبًا منع انتقال الفوضى من الإقليم إلى الداخل الأردني. ويتضح من مسار السياسة الأردنية أن الأردن لا يتحدث فقط بمصالحه، بل يحمل رسالة إقليمية ودولية تدعو إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، ورفض التهجير، وتخفيف التصعيد في المنطقة، وتعزيز الشراكات العربية، ولهذا أصبح شريكًا موثوقًا يُستدعى في كل طاولة حوار. ومع تطورات المشهد الإقليمي، يتقدم الأردن اليوم ليكون مركزًا للحوار ومنصة للدبلوماسية الهادئة وعامل استقرار أساسي في الشرق الأوسط، فقد أثبتت التجارب أن الدول التي تُدار بالحكمة والعقلانية تستطيع تحويل الأزمات إلى فرص، وأن الحكم الرشيد هو السلاح الأقوى في زمن الفوضى. .