مختصون لـ«اليوم»: اللغة العربية روح الهوية وحصن القيم وجسر الحضارة من الماضي إلى المستقبل

أكد مختصون أن اللغة العربية تمثل ركيزة أساسية في حفظ الهوية الثقافية والحضارية، وتعزيز الانتماء المجتمعي، وصون القيم الدينية والفكرية عبر الأجيال.

وأوضحوا في حديثهم لـ«اليوم» بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر، أن حماية العربية مسؤولية مشتركة تتطلب تكامل الجهود التعليمية والثقافية والمجتمعية

تعزيز هوية المجتمع

وقال مدير مركز التميز البحثي في اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز الأستاذ الدكتور عبدالرحمن السلمي: تسهم اللغة العربية في تعزيز هوية المجتمع بعدة طرق جوهرية، كونها ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل تُعد وعاءً للثقافة والقيم والذاكرة المجتمعية، إذ تحمل في نصوصها تاريخ الأمة بأبعاده الدينية والفكرية والحضارية، من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، إلى الشعر والحِكم والقصص، التي وثّقت عبر القرون تجارب العرب وقيمهم وأفكارهم، وجعلت من اللغة العربية جسرًا حيًا يربط الماضي بالحاضر ويصل الأجيال بجذورها الحضارية.د عبدالرحمن السلمي

وأوضح أن اللغة العربية تُعد كذلك أحد أهم عوامل التوحيد بين أفراد المجتمع، لما تمنحه من شعور مشترك بالانتماء إلى ثقافة واحدة وهوية جامعة، الأمر الذي يسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وترسيخ الإحساس بالهوية والانتماء.

اللغة العربية وعاء الثقافة والفنون

وبيّن أن العربية، بوصفها لغة القرآن الكريم، تمثل وسيلة أساسية لحفظ القيم الإسلامية والأخلاقية في المجتمع، حيث تُستخدم في نقل التعاليم والسلوكيات والمفاهيم التي تُسهم في تشكيل شخصية الفرد وبناء منظومة القيم المجتمعية، بما يضمن استمرارية هذه القيم عبر الأجيال.

وأشار إلى أن اللغة العربية تُعد وعاءً للثقافة والفنون، إذ يعكس الأدب العربي، بشِقَّيه الشعري والنثري، إضافة إلى المسرح والفنون السردية، حياة الناس وقضاياهم وهمومهم وتطلعاتهم ورؤيتهم نحو المستقبل، بما يجعل اللغة مرآة صادقة للمجتمع وتحوّلاته.

وأكد أن المؤسسات المدنية تُعد شريكًا أساسيًا في تعزيز مكانة اللغة العربية وحمايتها، كونها تنقل الاهتمام باللغة من إطار العمل الحكومي والمؤسساتي إلى مشروع مجتمعي شامل تشارك فيه مختلف فئات المجتمع، مبينًا أن من أبرز أدوار هذه المؤسسات سنّ السياسات اللغوية ووضع خطط التخطيط اللغوي التي تضمن تطور العربية ومواكبتها لمستجدات العصر، إلى جانب دعم التشريعات التي تحفظ حقها في الاستخدام الصحيح وتحترم مكانتها، باعتبارها هوية وطنية أصيلة للمجتمع.

دعم المملكة للغة العربية

من جهتها قالت عضو هيئة التدريس بجامعة الأمير سطام الأستاذة الدكتورة مليحة محمد القحطاني: تُعدّ المملكة العربية السعودية في طليعة الدول الساعية إلى خدمة اللغة العربية ونشرها إقليميًا ودوليًا، انطلاقًا من دورها الريادي بوصفها مهد الإسلام ومنبع اللغة العربية، مؤكدة أن هذا الاهتمام يتجلى بوضوح في دعمها المستمر للمجامع والمؤسسات اللغوية والثقافية في العالم العربي.د. مليحة القحطاني

وأشارت إلى أن إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُعد خطوة محورية في هذا المسار، حيث بات المجمع منارة دولية تُعنى بتوحيد الجهود اللغوية، ورسم السياسات التي تحفظ للعربية حضورها وتأثيرها، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية، مثل اليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو).

وأوضحت أن المملكة تولي نشر اللغة العربية عالميًا عناية خاصة، من خلال إنشاء المراكز والمعاهد التعليمية في الخارج، وتنظيم برامج متخصصة لتعليم العربية لغير الناطقين بها، ما أسهم في تعريف الشعوب بثقافة اللغة العربية وأدبها، وجعل الجامعات السعودية مقصدًا أكاديميًا مميزًا لتعلّم اللغة العربية وآدابها.

وبيّنت أن هذه الجهود تتعزز بتقديم منح دراسية سخية تستقطب طلابًا من مختلف دول العالم، ليصبحوا بعد تخرجهم سفراء للغة العربية في بلدانهم، إلى جانب الأنشطة الثقافية المتنوعة التي تنفذها السفارات السعودية، من خلال الندوات والاحتفالات والبرامج المصاحبة لليوم العالمي للغة العربية.

وأكدت أن هذه المبادرات تعكس أن جهود المملكة لا تقتصر على حماية اللغة العربية داخليًا فحسب، بل تمتد إلى ترسيخ حضورها عالميًا كلغة حضارة وهوية وثقافة، تجسيدًا لمسؤوليتها تجاه لغة القرآن الكريم، ودورها الريادي في خدمة التراث العربي والإسلامي.

تحديات اللغة العربية في العصر الرقمي

وقالت معلمة اللغة العربية غادة مكي الشريف: "اللغة العربية تمثل الركيزة الأساسية للهوية الثقافية والحضارية للمجتمع، كونها لغة القرآن الكريم، والوعاء الحافظ للتراث الثقافي والفكري للأمة العربية والإسلامية، مشيرةً إلى أن الاعتزاز بالعربية يسهم في تعزيز الانتماء وترسيخ الهوية الوطنية والحضارية لدى الأجيال".غادة الشريف

وحول أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية في العصر الرقمي، أوضحت " الشريف "أن من أهمها الانتشار الواسع للغة الإنجليزية، والتطور التكنولوجي المتسارع، إلى جانب التأثيرات الخارجية التي انعكست على أنماط التواصل والاستخدام اللغوي، ما يتطلب جهودًا مضاعفة لحماية العربية وتعزيز حضورها في الفضاء الرقمي.

وبيّنت " الشريف " أن للمؤسسات التعليمية والثقافية دورًا محوريًا في حماية اللغة العربية وتطوير حضورها، من خلال دعم الترجمة والنشر، وتنظيم الفعاليات والدورات والمهرجانات، إلى جانب إنشاء أقسام وبرامج متخصصة تُسهم في اكتشاف المواهب العربية وصقلها، وإبراز المكنونات الإبداعية في مختلف المجالات.

ووجّهت " الشريف " رسالة سامية إلى اللغة العربية قائلة: «اصمدي أمام التحديات، فأنتِ أقوى اللغات وأرفعها»، كما وجّهت رسالة إلى أبناء الأمة العربية دعتهم فيها إلى الإكثار من استخدام اللغة العربية الفصحى في مختلف مجالات الحياة، والتقليل من العامية، حفاظًا على جمال اللغة ومكانتها ودورها الحضاري.