شفق نيوز- بغداد يشكّل التقدّم في المفاوضات الروسية – الأوكرانية عاملًا مؤثرًا في أسواق الطاقة العالمية، إذ من المتوقع أن يؤدي ضخ نحو خمسة ملايين برميل إضافية إلى زيادة المعروض النفطي، ما يدفع أسعار الخام إلى التراجع وربما الهبوط دون مستوى 50 دولارًا للبرميل. وهذا الانخفاض، في حال تحقّقه، ستكون له انعكاسات مباشرة على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الإيرادات النفطية في تمويل الموازنة العامة، ومع تراجع العوائد، قد تواجه الحكومة ضغوطًا مالية تؤثر على انتظام صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين، وتزيد من احتمالات اللجوء إلى إجراءات تقشفية أو تأخير في الإيفاء بالالتزامات المالية. وانخفضت اسعار النفط من 81 دولار في شهر ايلول/ سبتمبر من العام الماضي الى اقل من 60 دولار في كانون الاول/ ديسمبر من العام الحالي 2025. واعلن صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل 2025، أن العراق يحتاج الى سعر يتجاوز 92 دولاراً للبرميل ليحقق توازناً في موازنته المالية لعام 2025. التحدي الأكبر ويقول الخبير الاقتصادي والمالي هلال الطعان، لوكالة شفق نيوز، إن "الاتفاق الروسي – الأوكراني لا يؤثر كثيرًا على سعر النفط العالمي، وإنما هناك عوامل كثيرة تؤثر على سعر النفط، منها النمو الاقتصادي والجيوسياسي وغيرها من الامور. وأضاف الطعان أن "النفط هو المورد الرئيس للموازنة في العراق"، لافتًا إلى أن "البلاد تمر بأزمة مالية حاليًا، وأن الاتفاق الروسي الاوكراتي سيؤثر على قوة الأزمة المالية وتداعياتها في العراق". وتابع أن "ذلك قد يدفع الحكومة إلى اللجوء إلى الدين الداخلي والدين الخارجي، وهي مرحلة خطيرة على الاقتصاد العراقي المنهك جراء الأزمات المالية والاقتصادية". و بدأت وزارة المالية العراقية إعداد الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2026، حيث حددت سعر برميل النفط بـ60 دولار كسعر افتراضي لترشيد الإنفاق العام في البلاد وتوجيهه نحو الأولويات الأساسية. وحسب الاحصائية الرسمية الحكومية فإن عدد الموظفين في الدوائر الحكومية يبلغ 4 ملايين و550 الف موظف فيما يبلغ عدد المتقاعدين 2.6 مليون متقاعد و 2.150 مليون مشمول بالرعاية الاجتماعية، يتقاضون أكثر من 8.5 تريليون دينار كرواتب شهريا. "ضربة للاقتصاد" من جانبه، يبين الخبير النفطي حمزة الجواهري، لوكالة شفق نيوز، أن "روسيا الآن تبيع جزء من نفطها ومع رفع العقوبات ستضخ كميات كبيرة إلى الأسواق العالمية، مما يزيد من التخمة الموجودة". ويستطرد أن "روسيا ليست هي فقط ستزيد انتاجها النفطي وانما حتى أمريكا أيضًا ستزيد من إنتاجها من النفط الصخري، ما قد يدفع الأسعار إلى الانخفاض لنحو 50 دولارًا وربما أقل من ذلك". ويشير الجواهري إلى أن "هذا سيكون له أثر كبير على العراق، كونه الدولة الوحيدة الريعية بامتياز، بينما تمتلك السعودية والإمارات والكويت صناعات وإنتاج وهي تشكل 40 بالمئة من مدخولات الدولة، ما يدعم موازناتها، بينما يعتمد العراق على النفط بنسبة 90 بالمئة، مما يجعله الأكثر تأثرًا بين الدول النفطية". اللجوء للاقتراض إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي محمد الحسني، لوكالة شفق نيوز، أن "وقف اطلاق النار بين روسيا واوكرانيا سينعكس سلبا على اسعار النفط"، متوقعا انخفاض "الاسعار بمستوى 50 دولار وستنعكس سلبا على النفقات الاستثمارية". ويكمل: أن "العراق مر بظروف انخفاض اسعار النفط عالميا ابان جائحة كورونا التي وصل سعر البرميل من النفط 14 دولارا"، لافتا ان "الحكومة لجأت الى الاقتراض لسد النفقات التشغيلية ولم تخفض او تقطع الرواتب الموظفين". ضبط النفقات ويخالف المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، الرأي العام، ويؤكد ان السلام بين الدولتين الروسية والاوكراتية قد يرفع النمو الاقتصادي لدول العالم. ويتابع صالح، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه "إذا حصل السلام في روسيا، وهي واحدة من أحزمة الطاقة في العالم فان المشهد المتوسط يندرج في متبنيات الاقتصاد السياسي للسلام، إذ لابد لفرص السلام أن ترفع من النمو في الاقتصاد العالمي، وهو أمر يزيد من الطلب على الطاقة ويؤدي إلى تحسين أسعار النفط عالميًا". ويرى أن "ارتفاع النمو العالمي بنسبة 1% يؤدي إلى زيادة في الطلب على النفط بنسبة نمو 0.7%، ما يعني أن فرص السلام على المدى المتوسط تزيد من أسعار النفط الخام العالمي وليس العكس". ويلفت إلى أن "المشهد الثاني وهو القصير الأجل، ويتعلق بالاستعداد للموازنة العامة لسنة العام القادم 2026، وهناك تحضيرات لانضباط مالي أعلى في خفض النفقات غير الضرورية وتعظيم الإيرادات، وعلى وفق نتائج الاجتماع المشترك للمجلس الوزاري للاقتصاد برئاسة رئيس الوزراء بتاريخ 15 كانون أول 2025، حيث اتخذ المجلس سلسلة من الإجراءات المالية الحذرة لضبط الإنفاق العام وتعظيم الإيرادات". ويوضح أن "السبيل لتلافي أزمة الرواتب عند انخفاض أسعار النفط لا يكمن فقط في إجراءات آنية، بل في إصلاح هيكلي طويل الأمد يضمن تنويع الإيرادات وتحسين كفاءة الإنفاق، بمعنى آخر، المطلوب هو الانتقال من إدارة الأزمات إلى بناء سياسة مالية مستدامة تحمي المجتمع من تقلبات السوق العالمية للطاقة، وهذا ما تعمل عليه السياسة الاقتصادية للبلاد بأركانها المالية والنقدية والتجارية، وقد تحددت أهدافها في البرنامج الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب في أكتوبر من العام 2022". وأصدر المجلس الوزاري للاقتصاد، في 15 كانون الاول الجاري، مجموعة قرارات خاصة بتقليص الإنفاق وتعظيم الإيرادات، من بينها تقليص الإنفاق للرئاسات الثلاث، وتوحيد رواتب موظفيها، وتخفيض تخصيصات الإيفاد لموظفي الدولة إلى 90٪.