خبراء يشددون على أهمية تعزيز حقوق ضحايا الفساد

/ أكد خبراء ومختصون في مجال مكافحة الفساد، أن تعزيز حقوق ضحايا الفساد يمثل ركيزة أساسية في بناء منظومات عدالة فعالة وشاملة، مشددين على أن تمكين الضحايا من الوصول إلى العدالة وجبر الضرر يسهم في ترسيخ النزاهة وتعزيز الثقة في المؤسسات العامة. جاء ذلك خلال جلسة نقاشية عقدت تحت عنوان "تعزيز حقوق ضحايا الفساد"، وذلك على هامش فعاليات اليوم الأخير من الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، الذي عقد في الدوحة، بمشاركة واسعة من ممثلي الحكومات، وخبراء دوليين، ومنظمات مجتمع مدني، ومؤسسات أكاديمية. وأوضح المشاركون أن الإعلان الدولي المتعلق بحقوق ضحايا الفساد يشدد على أهمية إتاحة الوصول إلى العدالة والمعاملة العادلة، مع التأكيد على عدد من المبادئ الجوهرية، من أبرزها تمكين الضحايا من عرض آرائهم وشواغلهم والنظر فيها في المراحل المناسبة من الإجراءات القانونية، متى ما تأثرت مصالحهم الشخصية، وذلك دون الإخلال بحقوق المتهم وبما يتسق مع التشريعات الجنائية الوطنية. وأشار الخبراء، إلى أن حماية الضحايا لا تقتصر على الجانب الإجرائي فحسب، بل تشمل أيضا تقديم المساعدة المناسبة لهم طوال العملية القانونية، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية خصوصيتهم عند الاقتضاء، وضمان سلامتهم وسلامة أسرهم، إضافة إلى حماية الشهود الذين يدلون بشهاداتهم من أي أعمال ترهيب أوانتقام. وبين المتحدثون أن هذه المبادئ تشكل أساسا مهما لتفعيل المادة (35) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، المتعلقة بإتاحة الوصول إلى العدالة والتعويض عن الضرر، لافتين إلى وجود عدد من قرارات مجلس حقوق الإنسان التي تعترف بالأثر السلبي للفساد على التمتع بحقوق الإنسان، وتؤكد أهمية مشاركة الضحايا في مسارات العدالة. وفي هذا السياق، شدد الخبراء على أن مكافحة الفساد لا يمكن أن تكون فعالة إذا اقتصرت على المعالجة العقابية، بل يجب أن تبنى على مقاربة شاملة تضع الضحايا في صميم السياسات العامة، وتربط بين الوقاية، والمساءلة، وجبر الضرر، واحترام حقوق الإنسان. وأكد المشاركون أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تعترف بأن الوقاية ليست مفهوما نظريا، بل برنامجا عمليا يتطلب تصميما مؤسساتيا يقلص فرص إساءة استخدام السلطة، ويعزز الشفافية، ويضمن وجود آليات مساءلة موثوقة، خاصة في القطاعات التي تتسم باتساع نطاق السلطة التقديرية وارتفاع تبعات القرارات. ولفتوا إلى أن غياب الضوابط في هذه القطاعات قد يؤدي إلى جعل المخالفات سلوكا قابلا للمساومة، بما يفتح المجال للإكراه والابتزاز وتحقيق منافع غير مشروعة، والتلاعب بالسجلات، وإساءة استعمال السلطة، الأمر الذي ينعكس سلبا على حقوق الأفراد والمجتمع ككل. وأوضح الخبراء، أن الدول الأطراف مطالبة، بموجب الاتفاقية، بترسيخ النزاهة والمساءلة في مجالات السلامة العامة والخدمة العامة، من خلال معايير سلوك واضحة، وأنظمة شفافة، وضوابط داخلية فعالة، باعتبارها عناصر أساسية في الفصل الوقائي من الاتفاقية. كما تناولت الجلسة، أهمية اعتماد معايير واضحة وقابلة للتدقيق في عمل المؤسسات العامة، بما يجعل القرارات قابلة للمراجعة، ويساعد على رصد الأنماط غير السليمة، ويحد من المناطق الرمادية التي قد تحدث فيها إساءة استعمال الوظيفة. وأكد المشاركون أن مواءمة التدريب وبناء القدرات مع القيم المهنية واتخاذ القرار في الواقع العملي تمثل عنصرا حاسما في تعزيز النزاهة، مشيرين إلى أن الأدلة المستقاة من تجارب دولية أظهرت أن التدريب المصمم بعناية يسهم في الحد من التجاوزات، ويعزز ثقافة الامتثال واحترام القانون. وفيما يتعلق بإدارة الأدلة، شدد الخبراء على أن التوثيق المنهجي للحوادث، وسلامة سلاسل حيازة الأدلة، وحوكمة البيانات، تشكل ركائز أساسية للمساءلة الإدارية والجنائية، وتحد من مخاطر التلاعب أو إخفاء الوقائع، بما يعزز فعالية جهود مكافحة الفساد. كما أشاروا إلى أهمية الضوابط الداخلية وآليات الإبلاغ الآمن، مؤكدين أن حماية المبلغين بحسن نية تمثل ضمانة جوهرية للنزاهة داخل بيئة السياسات العامة، وتسهم في الكشف المبكر عن المخالفات ومنع تفاقمها. وناقش الخبراء، تجارب دولية في وضع بروتوكولات وطنية لحماية المبلغين وضحايا الفساد، تقوم على نهج قائم على الحقوق، وتستند إلى أفضل الممارسات المستمدة من القانون الدولي وحقوق الإنسان والإدارة العامة، بما يهدف إلى تقليص الخوف من الإبلاغ وتعزيز سياسة عدم التسامح مع الإفلات من العقاب. وأكدوا أن إشراك منظمات المجتمع المدني في الإجراءات القضائية، سواء الجنائية أو المدنية أو المتعلقة بحقوق الإنسان، يشكل عنصرا مكملا لجهود الدولة، ويسهم في إيصال صوت الضحايا، خاصة في القضايا التي تمس مصالح جماعية. وفي سياق متصل، تناول المشاركون دور البنوك متعددة الأطراف في مكافحة الفساد، مشيرين إلى أن أنظمة العقوبات المعتمدة لديها لا تهدف إلى العقاب بحد ذاته، بل إلى الردع وحماية الأموال العامة، وتعزيز الامتثال، والمساعدة على إعادة تأهيل الشركات من خلال إنشاء أنظمة امتثال فعالة. وأوضح الخبراء، أن هذه الأنظمة تسهم في إرسال رسالة واضحة للسوق مفادها أن الفساد له عواقب، وفي الوقت ذاته تشجع على بناء ثقافة نزاهة تمتد آثارها إلى القطاع الخاص وسلاسل التوريد. وأكدوا أن وضع الضحايا وحقوق الإنسان في صميم جهود مكافحة الفساد لا يضعف هذه الجهود، بل يعزز اتساقها وفعاليتها، ويجعلها أكثر ارتباطا بحياة الناس اليومية، مشددين على أن نجاح اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد مرهون بتبني مقاربة شاملة توازن بين الوقاية، والإنفاذ، وجبر الضرر، واحترام الكرامة الإنسانية.