قبل أي إخفاق يتعرض له منتخبنا الوطني، أو عقب كل نتيجة مخيبة، ومع ما يُثار من تساؤلات مشروعة موجَّهة إلى القائمين على شؤون الكرة السعودية؛ اتحاداً ولجاناً ومدربين ولاعبين، تتكرر ذات المشاهد والحوارات. نسمع آراءً متعددة لكبار النقاد والمحللين، تحمل في طياتها نقداً مكرراً، يطرح كلٌ منهم ما يراه من زاويته بدعوى الحرص على مصلحة الكرة السعودية، ثم لا يلبث هذا الطرح أن يتحول إلى مجرد «كلام في كلام»، لا يجد آذاناً صاغية، وكأنما يُلقى في واقع يعاني من «أذنٍ من طين وأذنٍ من عجين».- ومع كل إخفاق، نعود إلى نقطة الصفر، في حلقة مفرغة تدور حول مجموعة من المبررات والوعود، لا تختلف في مضمونها عن سابقاتها، ولا تتجاوز كونها قرارات مهدِّئة وتناقضات متكررة. وهو ما يؤكد أن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الكرة السعودية لا تكمن في رؤوس الأموال بقدر ما تكمن في رؤوس الرجال الذين يديرون المال واللعبة معاً.- وهذا، في تقديري، هو السبب الجوهري لكل «خيبة» يتعرض لها منتخبنا الوطني، ولهذا لم تُفلح الحلول كافة التي طُرحت أو طُبقت؛ لأن الفكر هو هو، لم يتغير، وإن تغيّرت الأسماء. فكرٌ عجز، على مدى ما يقارب ربع قرن، عن تشخيص مواطن الخلل الحقيقية ومعرفة جذورها، رغم أنها كانت -ولا تزال- واضحة ومرئية للجميع.- وإذا افترضنا -جدلاً- أن اللاعبين هم السبب الأول في هذه الإخفاقات، فهل يعني ذلك أن نوجّه إليهم وحدهم اللوم، ونحمّلهم مسؤولية كل تلك «الخيبات»، ونتجاهل الفكر الإداري والتنظيمي الذي لم يضع يده يوماً على موضع الجرح، بل تركه ينزف؟ لقد جرى استخدام كل «المسكنات» الممكنة، والاعتقاد بأنها الأنسب لإيقاف النزيف، عبر ضخ سيولة مالية كبيرة، ورغم سماكتها وقوتها، إلا أنها لم تنجح في كل مرحلة إلا في توسيع مساحة الجرح وتعميق أثره، دون أن توقف النزيف أو تعالج أسبابه.- ولكي نعرف من أوصل لاعبي المنتخب الوطني إلى هذا الوضع الفني المتراجع والمخجل، وما نتج عنه من إخفاقات متكررة، فلا بد أولاً من الإقرار بأن الفكر الذي أدار الأندية واللاعبين منذ إقرار نظام الاحتراف في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وما تبعه من قرارات في مختلف المراحل حتى يومنا هذا، تحت مسمى «تصحيحية»، هو المتسبب الفعلي في كل «الخيبات» التي تعرّض لها المنتخب السعودي الأول.- منذ بدء تطبيق نظام الاحتراف، افتقدت أنديتنا تلك «العملة النادرة» من المواهب الكروية الأصيلة، التي كانت تميّز الأجيال السابقة، حينما كان اللاعب يُنظر إليه بوصفه هاوياً، وكانت الجودة والموهبة هما الأساس في قبوله. آنذاك، لم تكن النظرة مادية بحتة، بل كانت تعتمد على اكتشاف المواهب من الأحياء، ثم من المدارس، ومن منافسات تُقام في فترات توقف الموسم داخل الأندية، لاختيار أفضل العناصر الموهوبة، التي تتولى الفئات السنية مهمة تدريبها وصقلها، حتى تصل إلى تمثيل الفريق الأول، ضمن منظومة فنية تهتم بالبناء الصحيح من القاعدة إلى القمة.- أما في مرحلة ما بعد الاحتراف، فقد سيطر على أنديتنا فكر «اللاعب الجاهز»، لتتحول في كثير من الأحيان إلى بيئة خصبة للسماسرة وأصحاب المصالح. جرى التعاقد مع لاعبين سعوديين بمبالغ خيالية، كما أن ملف اللاعبين الأجانب لم يخرج عن ذات الإطار، حيث دارت التعاقدات في فلك المصالح المادية المتبادلة، التي يستفيد منها أكثر من طرف داخل النادي وجهات أخرى، تجمعهم علاقات متينة هدفها تحقيق مكاسب مشتركة، على حساب الجودة الفنية وبناء المواهب، فغابت العناصر النادرة، وحل محلها البديل الجاهز.- أنا هنا لا أطالب بإلغاء نظام الاحتراف، بقدر أرجو الاستفادة من التجربة التي سبقت إقراره، عبر الاستثمار الحقيقي في رؤوس الرجال -وللمعنيين بمصلحة الكرة السعودية إدراك المقصود بذلك- وبما يضمن لمنتخباتنا، وفي مقدمتها المنتخب الأول، تحقيق إنجازات مستدامة، بعيداً عن العقول الفارغة التي لا يهمها سوى توظيف المال في غير موضعه، رغم كل الدعم المادي الذي حظيت به الأندية والاتحاد السعودي لكرة القدم أثبت فشلها التام وآخرها في كأس بطولة العرب حينما تفوقت منتخبات عربية شاركت بمنتخبات رديفة وليس المنتخب الأول ضمت في صفوفها مواهب كروية عالية الجودة رغم ضعف الإمكانيات المادية لديها، ونجحت في تحقيق البطولة بدرجة امتياز.