السينما والسير الذاتية..مواجهة مع الحقيقة المغلقة

دائمًا ما تكون الأفلام التي تتناول الشخصيات والسير الذاتية تحت المجهر أكثر من غيرها؛ لأنها تنقل حقائق وتقرّب المشاهد من حياة الشخصية، بما تحمله من نجاحات وأزمات وتقلبات. والسيناريست الجيد هو من يتوغّل في خبايا تلك الشخصيات التي قد لا يعرفها المشاهد، أو لا يريد أن يعرفها أحيانًا، خاصة إذا كان مُعجبًا بالشخصية. فهو قد لا يقبل أن يقترب الكاتب من منطقة ليست محرّمة بالمعنى الحرفي، بقدر ما هي مناطق مسكوت عنها وغير مسموح بفتح مظاريفها المغلقة. وقد واجه كاتب فيلم "الست" أحمد مراد انتقادات كثيرة، وصل بعضها إلى اتهامه بالإساءة لأم كلثوم، وأنه يجهل هذه المطربة الرمز. غير أنّه ردّ على تلك الاتهامات بأن الفيلم تناول الجانب الإنساني في سيرة أم كلثوم، كأي امرأة تتعرض للانكسارات وتقلبات الحياة. وهذه نقطة تُحسب له، كونه فتح بابًا لم يكن مطروقًا من قبل. لكن الإشكالية التي نعيشها في العالم العربي هي تقديس بعض الشخصيات الفنية ذات التاريخ الطويل، وعدم تقبّل أي تناول نقدي لها، حتى وإن كانت الحقيقة أمامنا. ظهر أحمد مراد في برنامج "مع ريهام عياد" وتناول جوانب لا يعرفها المشاهد عن أم كلثوم، شارحًا ما واجهته في حياتها من صعود وهبوط وتحديات أسرية. هذا كل ما في الأمر؛ أراد الكاتب الخروج من الإطار التقليدي لأفلام السير الذاتية، والانتقال إلى مساحة جديدة، مستندًا إلى ملفات ومراجع موجودة في الأصل. لكن يبدو أن المشاهد لا يريد من الكتّاب الاقتراب منها وكشفها. وعندما قدم المخرج أوليفر ستون فيلم "نيكسون" عام 1995، تطرّق إلى الحياة العاطفية والمالية لنيكسون في كارولينا الجنوبية، فتعرّض لانتقادات حادة من الحزب الجمهوري. وكذلك المخرج مايكل مان، حين أخرج فيلم "علي" الذي يروي سيرة الملاكم محمد علي كلاي، وُجهت إليه اتهامات بأنه أظهر البطل في مواقف لا تليق به، فأجاب بأن ما عرضه حقيقة يعرفها الأميركيون. وهناك أيضًا الفيلم الذي تناول القصة الكاملة للنجم الهندي سانجاي دوت، وما واجهه من إدمان ودخول السجن. لقد قدم الفيلم للمشاهد ما لا يعرفه عن هذا الممثل. فهل يكون مخطئًا لأنه فتح غطاءً كان مغلقًا؟ السينما ليست منصةً لتمجيد الأبطال والنجوم فقط، بل هي مرآة لنقل الحقيقة، مهما كانت قاسية.