لا يفتح تاريخ كأس أمم إفريقيا أبوابه لكرة القدم فقط، وإنما أيضًا للمفاجآت، والغرائب، واللحظات التي ربّما لا تتكرر إلا داخل هذه القارة بخصوصيتها الفريدة، وثقافتها الاستثنائية. من صافرة نهاية تُطلق قبل أوانها، إلى منتخبات انسحبت احتجاجًا، وحوادث قتل جماعي زلزلت القارة، ظلّت البطولة، منذ انطلاقتها عام 1957، مساحة مفتوحة وأرضًا خصبة لغير المألوف. ويقدم هذا التقرير لمحة عن أبرز غرائب العرس الإفريقي عبر تاريخه الممتد منذ نحو سبعة عقود. إنهاء قبل الأوان ضِمن أولى جولات دور المجموعات من نسخة 2021، التي استضافتها الكاميرون بين 9 يناير و6 فبراير 2022، التقى المنتخبان التونسي والمالي في مباراة أدارها الحكم الزامبي جاني سيكازوي. وعبر ركلة جزاء، تقدّم الماليون في بدايات الشوط الثاني، وظلوا محتفظين بأفضليتهم حتى الدقيقة 85 التي شهدت قرارًا غريبًا من الحكم سيكازوي بإطلاق صافرة النهاية، مثيرًا دهشة واستعجاب الجميع. وأدى القرار لتحويل الملعب إلى ساحة اعتراضات واحتجاجات من جانب التوانسة، الذين كانوا يبحثون عن هدف التعادل، فرضخ الحكم وأسقط الكرة مستأنفًا اللعب، ثم أطلق صافرته مجددًا قبل الدقيقة 90 بثوانٍ وقتما كان مساعده موشكًا على إعلان عدد دقائق الوقت بدل الضائع. وبسبب تكرار الخطأ، تفجرت الاحتجاجات مجددًا، وتدخل الاتحاد الإفريقي «كاف» معلنًا استئناف المباراة بعد توقف دام 25 دقيقة، لكن الطرف التونسي رفض بذريعة مغادرة لاعبيه بعد الاستحمام وتبديل ملابسهم، فيما دخل المنتخب المالي وحيدًا لأرض الملعب، وأطلقت صافرة النهاية واعتمدت النتيجة كما هي لاحقًا. وفيما بعد أفاد ممثل عن البطولة بمعاناة سيكازوي من ضربة شمس خلال اللقاء أسهمت فيما حدث، وأكد الحكم نفسه ذلك عبر تصريحات لاحقة. انسحاب وإبعاد عامين استضافت غانا نسخة 1978 بمشاركة 8 منتخبات وُزّعت على مجموعتين، تأهل من إحداهما المنتخب التونسي إلى نصف النهائي، ثمَّ خسر أمام أصحاب الأرض، ليلعب ضد نيجيريا على برونزية البطولة. وفي الدقيقة 19 من مباراة البرونزية تقدمت تونس بهدف لمحمد علي عقيد، واستطاع النيجيريون التعديل قبل نهاية الشوط الأول بثلاث دقائق، وتلا ذلك احتجاجات على التحكيم من جانب المنتخب العربي وانسحب لاعبوه من أرض الملعب. وعطفًا على ما حدث، قرَّر الاتحاد الإفريقي اعتماد فوز نيجيريا اعتباريًا بالمباراة 2ـ0، وأوقف المنتخب التونسي عامين، وحرمه من خوض بطولة الأمم التالية في 1980. وفيّات لا توقف اللعب قبل انطلاق مباراة المنتخبين الكاميروني، صاحب الضيافة، وجزر القمر ضمن ثمن نهائي نسخة 2021، على ملعب أولمبي في العاصمة ياوندي، وجّه رجال الأمن المشجِّعين إلى بوابة دخول مغلقة بالخطأ، وعند فتحها كان أمامها حشد هائل ولج إلى الداخل دفعة واحدة، فحدث تدافع شديد وحالات دهس أسفرت عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 38 آخرين، ومع ذلك لعبت المباراة في موعدها الطبيعي وفاز المنظّم 2ـ1 وعبر إلى دور الثمانية. هجوم مسلح على توجو حصلت أنجولا على حق استضافة نسخة 2010 خلال الفترة بين يومي 10 و31 يناير، وقبل بداية البطولة بيومين مرّت حافلة تقل المنتخب التوجولي بمقاطعة أنجولية اسمها كابيندا، وهناك تعرضت لواقعة إطلاق نار من رشاشات، بعد عبورها الحدود من الكونغو المجاورة. واستمر الهجوم لنحو 15 دقيقة وشارك فيه مقاتلون من جبهة تحرير كابيندا، وقُتل سائق الحافلة، ما أدى إلى قطع جميع سبل الهروب الممكنة، واختبأ الركاب تحت المقاعد، فيما ردّ فريق أمني مؤلف من نحو 10 رجال في سيارتين كانتا ترافقان الفريق، على المهاجمين، بمبادلتهم إطلاق النار. وأدى الهجوم إلى وفاة 3 أشخاص، أحدهم السائق إلى جانب مساعد المدرب وإعلامي مرافق من التليفزيون الأنجولي، كما أصيب 9 آخرين، بينهم كودجوفي أوبيلالي، حارس المرمى، الذي اخترقت رصاصة ظهره واستقرت داخل معدته. نشيد وطني خاطئ في تقليد روتيني عُزِف النشيد الوطني لموريتانيا قبيل انطلاق مباراة منتخب بلادها مع نظيره الجامبي في دور المجموعات من نسخة 2021. وما كاد لاعبو المنتخب الموريتاني يسمعون عزف نشيدهم حتى أنكروه، كونه النسخة القديمة التي استبدلت بأخرى حديثة، بموجب استفتاء دستوري عام 2017. وحاولت اللجنة المنظمة تدارك خطئها، لكنها عزفت النشيد القديم مجددًا، فطالب لاعبو موريتانيا ترديده بأنفسهم دون موسيقى، وسرعان ما قطع محاولتهم عزف النشيد القديم مرة أخرى. قمصان سلة استحدث المنتخب الكاميروني قمصانًا غير تقليدية في ملاعب كرة القدم دون أكمام على غرار أطقم السلة، وخاضوا بها نهائيات كأس أمم إفريقيا 2002 وحققوها على أرض مالي. وصمَّمت القمصان شركة بوما الألمانية المتخصصة في الملابس الرياضية، التي كان الاتحاد الكاميروني متعاقدًا معها لتوريد مستلزماته. وفيما أثار القميص ضجة كبرى، لم يعترض عليه الاتحاد الإفريقي، لكن نظيره الدولي رفضه قبل مونديال 2002، ما اضطر بوما لإضافة أكمام قصيرة إليه سوداء اللون. أطول ركلات ترجيح تقابل منتخبا كوتديفوار وغانا في نهائي نسخة 1992 على أرض السنغال، واحتكما إلى ركلات الترجيح بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي. وحاز الإيفواريون اللقب بالفوز 11ـ10، بعد تبادل 24 ركلة ترجيح، في سابقة أولى على مستوى البطولات الكبرى لمشاركة جميع لاعبي الطرفين في تسديد الترجيحيات. وتكرَّرت الحالة في ربع نهائي نسخة 2006، التي استضافتها مصر، وكان المنتخب الإيفواري طرفًا أيضًا، لكن الآخر كان الكاميرون، وليس غانا، وفاز أبطال 92 مجددًا بنتيجة 12ـ11. اعتقال المدرب بينما كان المنتخب الكاميروني يستعد لبدء إحماءاته قبيل انطلاق مباراته مع نظيره المالي في نصف نهائي نسخة 2002 على أرض الأخير، اعتقلت قوَّات الشرطة توماس نكونو، مدرب حرّاس مرمى الضيوف، بتهمة دسّه أعمال سحر داخل الملعب. وألقت الشرطة معصمي نكونو في القيود أمام الجماهير، فيما شرع الألماني وينفريد شايفر، مدرب الكاميرون، في الصراخ مطالبًا الصحافيين بتسجيل ما يجري. وغاب مدرب الحراس عن المباراة بعد توقيفه، وفازت الكاميرون بثلاثية نظيفة وتأهلت إلى المباراة النهائية. من جهته، عاقب الاتحاد الإفريقي نكونو بالإيقاف لمدة عام، ثمّ خفف العقوبة لاحقًا، بعد استئناف قدَّمته الكاميرون، ولم يسمح له بالجلوس على مقاعد البدلاء في النهائي الذي حسمه منتخب بلاده بركلات الترجيح أمام السنغال.