شفق نيوز- بغداد مع اقتراب أعياد رأس السنة الميلادية، ثمة عادات وتقاليد في المجتمع العراقي تتزامن مع تلك الأعياد، حيث يرتبط بعضها بسلوكيات قديمة تحمل تبريرات مختلفة، تجعل الكثيرين يتمسكون بها ولا يفرطون بها باعتبارها في نظرهم تدل على الأمن والخير والاستقرار. ومن تلك العادات الإقبال على شراء البط في الأيام التي تسجل فيها السنة الميلادية عداً تنازليا، حيث تعتبر من العادات الراسخة عند البعض، لكن يؤدي الإقبال الكبير على شراء البط إلى ارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية بشكل لافت. ويعلل أصحاب هذه العادة بأن تناول البط ليلة رأس السنة، وحسب معتقدهم، يجلب الرزق، في حين أن هذا الأمر كفيل بوصول سعر البطة الواحدة إلى 80 ألف دينار، بعد أن كان سعرها 40 إلى 50 ألف دينار. ويقول المواطن حمزة عبد الرضا (52 عاماً) من منطقة البياع ببغداد، لوكالة شفق نيوز: "انا اؤمن بالعادات والتقاليد المتوارثة لأنها وصلت إلينا بعد تجارب متعددة"، مشيراً إلى أنه "دأبت في ليلة الميلاد من كل عام بذبح بطة ودفن رأسها عند عتبة الباب وتناول البطة عشية الميلاد مع العائلة". ويلفت إلى أن "هذه العادة رغم استهجانها أو عدم تصديقها من قبل كثيرين لكنها مفيدة لجلب الرزق". ويشاطر المواطن فاضل جبار، (40 عاماً) من منطقة أبو دشير، الرأي السابق بضرورة التمسك بالعادات والتقاليد، حيث يقول لوكالة شفق نيوز: "اعتدنا على تناول البط أول أيام العام الجديد"، موضحاً، أن "هذه الوجبة الأساسية هي جزء من تقاليدنا التي لا نحيد عنها". ويضيف: "قد يكون السبب مجهولاً وغير واضح، إلا أن أهلنا منذ القدم امتازوا بالحكمة، ونحن نقتفي أثرهم". أما الحاجة أم عبد الواحد (70 عاماً) من أهالي العطيفية، فتؤكد في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "أكل البط في السنة الجديدة حتى (الخير يكوم يبطبط)"، دون أن تعرف هذه الحاجة من أين جاء هذا المعتقد وأين نشأ. وعلى الرغم من انتشار ظاهرة تناول البط بحلول العام الجديد في عموم العراق ، إلا أن البعض يراها ظاهرة جديدة لا أصل لها في تراث المجتمع العراقي. وفي هذا الصدد، يقول المواطن رزاق على، (35 عاماً) من منطقة التراث ببغداد: "سمعت من أمي وزوجتي أن الوجبة الأساسية في عيد الميلاد يجب أن تتكون من لحم البط". ويضيف في حديث لوكالة شفق نيوز: "لااعرف احداً يقف خلف انتشار هذه الظاهرة سوى التجار والباعة الذين يروجون مثل هذه الشائعة لترويج بضاعتهم"، متابعاً: "أرى أن هذه العادة مجرد خدعة يمارسها التجار باستغلال جهل المواطنين". بدوره يرى المواطن عبد الحسن الموسوي (25 عاماً)، أنه "لا يوجد لهذه العادة من أثر في الموروثات المحلية وقد بحثت عن هذا الموضوع طويلاً ولم أجد دليلاً عليه". ويوضح الموسوي لوكالة شفق نيوز: "لا أعلم بالضبط من أين جاءت هذه العادة التي سألت عنها كل من يشتري البط، هل لمس تغييراً ما خلال تناوله لحم البط في السنوات الماضية، ولم أصل إلى جواب محدد". ومع اقتراب حلول العام الجديد تنشط مواقع التواصل الاجتماعي في نشر مقاطع وبوستات تؤكد على ضرورة أن يتمسك المواطنون بجملة من العادات المعروفة في ليلة رأس السنة من أجل تحقيق الأمنيات. وظهرت على مواقع التواصل العديد من الفيديوهات التي تعطي نصائح لراس السنة منها، تناول 12 حبة عنب، تبين أنها من العادات الإسبانية لضمان حظ سعيد في العام المقبل، وتحث المنشورات، على ضرورة تناول 12 حبة عنب عند منتصف الليل، على أن تكون تناول كل حبة مع كل دقة من دقات الساعة. وعن تلك العادات وغيرها، يقول الباحث في علم النفس والاجتماع كريم الجابري، لوكالة شفق نيوز: "ثمة عادات كثيرة ظهرت في الآونة الأخيرة بعضها يتصل بتقاليد عراقية قديمة، وبعضها من العادات الجديدة التي تأثر بها المجتمع العراقي من مجتمعات غربية بسبب تطور التكنولوجيا وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي". ويكمل الجابري: "من هذه العادات تناول 12 حبة عنب عند منتصف الليل، وثقب أذن الطفلة، وذبح البطة في ليلة رأس السنة الميلادية وغيرها، وأنه لا يمكن فهم هذا السلوكيات بوصفها تقاليد احتفالية فقط، بل يمكن تفسيرها بأنها سلوك جمعي يؤكد حاجة الناس إلى الشعور بالأمن والاستقرار في العام الميلادي الجديد، وأن هذه السلوكيات تجنبهم المكاره بهذا العام، وهو شعور سيكولوجي عميق لدى اغلب البشر". ويشير الجابري إلى أن "مجمل العادات والطقوس التي يمارسها كثيرون في العام الجديد تندرج تحت مفهوم وهم السيطرة عبر ممارسات وأفعال رمزية لاعتقادهم بأن هذه العادات ستغير أوضاعهم وتجلب لهم الحظ وتبعد عنهم الأذى"، لافتاً إلى أن "كثيرا من العادات بهذه المناسبة وصلت إلى المجتمع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تتم إعادة صياغتها لتناسب الواقع المحلي". ويعرب الجابري عن أسفه لـ"تغلغل مثل هذه العادات في المجتمع العراقي الذي يملك إرثا عميقاً، اذ ثمة إقبال واسع من العائلات والشباب على تلقف هذه التقاليد بدلا من العودة إلى ثقافتهم المحلية بعيدا عن تقليد الآخرين، وخاصة في عادة ثقب إذن الطفلة، لأن من شأن ذلك أن يرسخ في ذهنها عادات وخرافات قد تعتمد عليها في حياتها لاحقا". ولا يشكل الاحتفال والتحضير للسنة الميلادية عاملاً سلبياً للأسر العراقية، حسب معنيين، بل العكس شريطة الابتعاد عن الخرافات واستبدالها بأنشطة حيوية كتبادل الهدايا والتهاني التي تعزز الأمل والتفاؤل.