مالك عبيدات - قالت أستاذة العلوم السياسية والمتخصصة في الشأن الفلسطيني، الدكتورة أريج جبر، إن المشهد السياسي والأمني المتعلق بقطاع غزة يقوم اليوم على رؤيتين متناقضتين بشكل جذري: الأولى تتبناها المقاومة الفلسطينية، والثانية يطرحها الكيان المحتل، لا سيما فيما يتعلق بسلاح المقاومة، وتفكيك بنيتها، وسياسة الاغتيالات التي ينفذها الاحتلال بحق قادتها وكوادرها. وأوضحت جبر في حديثها ل الأردن ٢٤ أن جوهر الخلاف يتمحور حول إصرار المقاومة على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع أراضي قطاع غزة، دون أي ذرائع أمنية أو إنشاء مناطق عازلة، وهي الذرائع التي لطالما شكّلت جزءًا أساسيًا من العقيدة الأمنية الإسرائيلية. وبيّنت أن المقاومة تعتبر هذا الانسحاب الكامل شرطًا غير قابل للتنازل، في مقابل رؤية الاحتلال التي ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا لما تصفه بـ”العصب المركزي” لأمنه، خاصة في ظل المخاوف الإسرائيلية من تكرار هجمات نوعية تشبه ما جرى في السابع من أكتوبر. وأضافت أن المقاومة تتمسك بمراحل انسحاب واضحة ومحددة، تبدأ بالخطوط المتفق عليها وتنتهي بالانسحاب الشامل من قطاع غزة، معتبرة أن هذه النقطة مفصلية ولا يمكن القفز عنها عبر الحديث عن صيغ إدارية بديلة أو مجالس استقرار أو قوى دولية لإدارة القطاع. وأكدت جبر أن أي مقاربة سياسية لا تنطلق من هذا الوضوح محكومة بالفشل. وأشارت إلى وجود توافق دولي، بل وعربي وإسلامي أيضًا، عبّرت عنه عدة محطات سياسية، من بينها إعلان نيويورك والاجتماعات التي عقدت في الدوحة عقب الضربة الإسرائيلية، إضافة إلى مخرجات القمة العربية الطارئة، وجميعها أكدت على مسألة نزع سلاح المقاومة. غير أن الواقع الميداني، بحسب جبر، يفرض معادلة مختلفة، إذ أثبتت حركة حماس، رغم ما تعرضت له من ضربات قاسية، أنها ما زالت تمسك بخيوط السيطرة والتنظيم داخل قطاع غزة، وأن بنيتها لم تُكسر، حتى بعد مرور أكثر من شهرين على بدء المرحلة الأولى من المواجهة. وبيّنت جبر أن ما تحقق للمقاومة على الأرض أعاد طرح مسألة الربط بين أي مسار سياسي قادم وقيام الدولة الفلسطينية، لافتة إلى أن مطالبة المقاومة بتشكيل لجنة تكنوقراط فورية لإدارة الشأن الفلسطيني قد تهدف إلى سحب البساط من تحت أي مجالس أو أطر دولية يُراد لها أن تدير قطاع غزة لسنوات طويلة، بعيدًا عن الإرادة الفلسطينية. وأكدت أن جميع مكونات الحالة الفلسطينية تدرك أن ما يجري هو مرحلة ضمن مخطط أشمل، وأن مشاريع "السلام” التي طُرحت سابقًا، سواء ما عُرف بصفقة القرن أو غيرها من المبادرات، تستهدف تصفية الوجود الفلسطيني ومنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، ليس فقط على حدود الرابع من حزيران، بل ضمن أي حدود قابلة للحياة. وشددت جبر على أن المقاومة تعيد التأكيد على أن أي عملية سياسية أو تسوية مستقبلية يجب أن تكون مرتبطة صراحة بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران كمرحلة أولى، مع ضمان حق الشعب الفلسطيني في المقاومة وتقرير المصير، وهي حقوق مكفولة وفق قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وختمت بالقول إن ما يشهده العالم اليوم من محاولات لتقويض هذه الحقوق وإعادة تعريف النضال الفلسطيني يتناقض مع جوهر القانون الدولي، مؤكدة أن السابع من أكتوبر لم يكن حدثًا عابرًا أو استعراضًا للقوة، بل محطة مفصلية أعادت القضية الفلسطينية إلى مربعها الأول، وأسهمت في تعرية سردية الاحتلال، وهو ما انعكس في اتساع رقعة الاعتراف الدولي بفلسطين، التي وصلت إلى نحو 159 دولة، وفي توصيف محكمة العدل الدولية للاحتلال باعتباره قوة احتلال قائمة على الأرض، ما يعني – بحسب جبر – أن المقاومة نجحت في خلق مفارقة تاريخية غيّرت معادلات فرضها الكيان المحتل منذ عام 1947 وحتى اليوم. .