أحمد الأحمد.. حين هزمت الشجاعة الفردية سردية الكراهية #عاجل

كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني - في اللحظات الفاصلة التي تعقب كل مأساة انسانية، لا تُقاس الحقائق بعدد التصريحات ولا بضجيج العناوين، بل بالأفعال الإنسانية الخالصة التي تفرض نفسها على الوعي العام، وتنسف السرديات الجاهزة مهما كانت محصّنة سياسياً وإعلامياً. في مجزرة بوندي في سيدني، حيث سارع البعض – كعادتهم – إلى استثمار الدم لتجديد الاتهام الجاهز للإسلام والمسلمين، برز اسم أحمد الأحمد، الشاب السوري العربي المسلم، لا بوصفه "هوية" بل بوصفه فعلاً. خاطر بحياته، واجه الهجوم المسلح اعزلا بيديه، ونجح بتجريد احد المنفذين من سلاحه، منقذاً عشرات المدنيين الذين لا يعرف من هم، ولا يشترك معهم إلا في إنسانيته. قال الأحمد وهو يتعالج في المستشفى بعد اصابته بجروح اثناء الهجوم المسلح: "إن ما قام به كان بدافع إنساني بحت، مؤكدا أن الجميع كانوا يستمتعون بيومهم مع عائلاتهم وأطفالهم، وأن من حقهم العيش بأمان". سقوط السردية الصهيونية عند أول اختبار إنساني بهذا الفعل وحده، لم ينقذ أحمد ارواحا فحسب، بل أنقذ الحقيقة من الاغتيال. لطالما ارتكزت السردية الصهيونية في الغرب على معادلة تبسيطية: الإسلام = عنف، والمسلم = تهديد. تُستحضر هذه المعادلة فور كل حادث دموي، لا بحثاً عن الحقيقة، بل لتأطير الرأي العام ضمن خوف مُصنّع يخدم سياسات محددة، أبرزها: تبرير المجازر الصهيونية في غزة والضفة الغربية وغيرها من الدول العربية المجاورة، وتشويه القضية الفلسطينية، وشيطنة أي مقاومة أخلاقية أو سياسية للهيمنة والإحتلال الصهيوني. لكن ما الذي يمكن لتلك السردية أن تفعله أمام مشهد شاب عربي مسلم يندفع نحو الخطر، بينما يفرّ الآخرون؟ كيف يمكن اختزال الإسلام في العنف، حين يقدّم أحد أبنائه نموذجاً للتضحية الخالصة دفاعاً عن حياة الأبرياء؟ الإجابة كانت صادمة: لا شيء. سقطت السردية الصهيونية، لا بخطاب مضاد، بل بحقيقة حية لا يمكن شطبها. أحمد الأحمد… هزيمة أخلاقية للكراهية المنظمة لم يكن أحمد الأحمد بحاجة إلى منصة إعلامية، ولا إلى بيان سياسي، ولا إلى دفاع أيديولوجي. فعلُه وحده كان كافياً ليقول للعالم: •إن الإسلام ليس مشكلة، بل كثيراً ما يكون جزءاً من الحل. •وإن اللاجئ ليس عبئاً، بل قد يكون خط الدفاع الأخير عن القيم الإنسانية. •وإن محاربة "معاداة السامية" لا تكون بتشويه المسلمين، بل بمواجهة كل أشكال الكراهية دون انتقائية أو نفاق. لقد أفسد أحمد الأحمد، بشجاعته الفردية، آلةً كاملة من التحريض والتضليل، وأعاد التذكير بأن الإنسان يُعرَّف بأفعاله لا بأصله وقوميته. وفي الختام، في عالم يُدار فيه الرأي العام بالخوف وتشويه الحقائق، ويُستثمر فيه الدم سياسياً، جاء فعل واحد صادق ليعيد ترتيب البوصلة. ليس كل بطل يحمل سلاحاً، وبعض الأبطال… يحملون ضميراً فقط. أحمد الأحمد لم يدافع عن الإسلام بخطاب، بل كان نموذجا حيا له وترجمة فعلية لمبادئه. .