في تطور مفاجئ، من شأنه إعادة رسم الخارطة السياسية والأمنية في الساحة العراقية التي طالما كانت مسرحاً للتجاذبات الإقليمية والدولية، شهد شهر ديسمبر 2025 حدثاً غير مسبوق في تاريخ الجماعات المسلحة ما بعد عام 2003. موافقة 4 جماعاتتمثل هذا الحدث في تطور جديد جاء تأكيداً لما سبق وانفردت به «عكاظ» في عددها الصادر بتاريخ 6 ديسمبر الجاري، بموافقة الفصائل المسلحة على تسليم سلاحها إلى الدولة العراقية.هذا الانفراد الصحفي لم يكن مجرد تسريبات، بل أكدته مجريات الأحداث في ذلك التوقيت إذ أعلنت جماعات مسلحة عراقية عدة مثل: كتائب الإمام علي، عصائب أهل الحق، أنصار الله الأوفياء وكتائب سيد الشهداء موافقتها في بيانات رسمية على تسليم أسلحتها والاندماج ضمن الدولة.وسارع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان إلى مباركة الخطوة، معبراً عن شكره لقادة الفصائل على استجابتهم لنصيحته الداعية إلى التعاون المشترك لفرض سيادة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، والانتقال إلى العمل السياسي بعد انتفاء الحاجة الوطنية للعمل العسكري. رؤية سياسية جديدةورغم إعلان امتناع فصيلين كبيرين من تسليم أسلحتهما وهما كتائب حزب الله والنجباء، إلا أن مصادر خاصة توقعت لـ «عكاظ»، تراجع أحدهما عن هذا الموقف قريباً.وحسب المصادر، فإن الفصائل المتفقة على التسليم وصلت إلى قناعة بقبول أي رئيس وزراء قادم من خارج معسكرها أو الأحزاب الدينية أو حتى تحالف الإطار التنسيقي الحائز على الأغلبية النيابية، بما في ذلك أي «علماني مدني»، بعد أن كانت ترغب سابقاً في شخصية استوزرت عام 2005 ثم تركت العمل السياسي لتولي المنصب تطميناً لها. استعداد لتقديم تنازلاتوعلى ما يبدو فإن هذه الفصائل أصبحت تتبنى رؤية سياسية جديدة تعبر عن استعدادها للتنازل عن عقائدها المرتبطة بدولة خارجية، مطالبة الولايات المتحدة بنظرة مستقلة إليها، مع التركيز على مصالح العراق الاقتصادية وأهمية تلك العلاقة. كما تريد إرسال رسائل تطمينية للخارج بأنها ليست في حالة حرب مع أحد.وأمام هذه المواقف الجديدة التي يمكن وصفها بالتنازلات، أبدت الفصائل رغبتها في العمل السياسي والتواجد في السلطة، مع ضمانات دولية بعدم استهدافها أثناء «الحل» أو بعده، وعدم المساس باقتصادياتها.وبحسب المصادر، قد يكون رئيس مجلس القضاء مسؤول استلام السلاح من الفصائل. متغيرات وشروط أمريكيةأمام المتغيرات والشروط الأمريكية لتسمية رئيس الحكومة القادمة وعجز «الإطار التنسيقي» عن إيجاد الشخصية المناسبة، فقد يصعب تسمية أي مرشح قريباً. واعتبرت المصادر أن الشروط الأمريكية لن تنتهي بسحب السلاح، بل قد تتبعها شروط أخرى، قد تشمل تفكيك الشبكات الاقتصادية، ومحاكمة المتورطين في الانتهاكات ضد المحتجين في حركة تشرين أو إعادة هيكلة الحشد الشعبي بالكامل، بل قد تصل إلى محاسبة الجهات التي سبق أن تورطت بشن هجمات على السفارة الأمريكية أو القواعد التي تستضيف أمريكيين.أما الولايات المتحدة فستبقى حذرة من تسارع هذه الخطوات، إذ لا تستبعد أنها خطة مرحلية من دولة خارجية ترعى الفصائل لامتصاص الزخم الإقليمي، أو تأجيل الصراع المحتمل مع إسرائيل.