تحت رذاذ ديسمبر الخفيف، وفي قلب مجمع الأمير مولاي عبدالله بمدينة الرباط، أعلن المغرب ميلاد عصر جديد لكرة القدم في القارة السمراء. ولم يحمل حفل الافتتاح الأضواء والألوان فحسب، بل رسالة صريحة للعالم: «نحن هنا، وأفريقيا هي المستقبل». وسط الافتتاح المبهر، هكذا جاءت كلمات رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (CAF)، باتريس موتسيبي، لتعزز هذا الشعور بالفخر، إذ أعرب في تصريحاته عن ثقته الكاملة في المغرب بلداً مستضيفاً. وأكد موتسيبي أن الطموح لا يتوقف عند مجرد التنظيم، بل يمتد لتقديم نسخة استثنائية من البطولة تليق بمكانة القارة.ولم تقتصر الكلمات على الجانب الفني، بل لامست جوهر الوحدة الأفريقية؛ إذ شدد رئيس الاتحاد على أهمية الشباب الأفريقي ووحدة القارة، مشيراً إلى أن كرة القدم هي الجسر الذي يجمعنا فوق أي اعتبارات تتعلق بالدين أو العرق أو الجنسية. كما زفّ بشرى تاريخية للمنتخبات المشاركة بإعلانه عن زيادة تاريخية في الجوائز المالية تسبق انطلاق المنافسات، مما يعكس الرؤية الجديدة لتطوير الكرة الأفريقية.بمزيج مذهل بين أصالة التراث المغربي وإبهار التكنولوجيا، أكدت الرباط جاهزيتها لاحتضان حلم 24 منتخباً، محولةً الملاعب من مجرد ساحات للتنافس إلى مسرح يروي قصة طموح قاري لا يعرف الحدود، في ليلة أكدت فيها أفريقيا للعالم أنها تتحدث لغة واحدة: لغة المجد.ثم قام ولي عهد المغرب بإعطاء إشارة الانطلاق الرسمية للمباراة الافتتاحية، لتبدأ الملحمة الكروية، دخل أصحاب الأرض اللقاء بأفضلية نفسية واضحة وطموح كاسر لافتتاح البطولة بانتصار صريح، إلا أن منتخب جزر القمر نجح في لعب دور «الند» العنيد منذ البداية. الدقيقة الـ10 كانت نقطة التحول الكبرى في هذا الشوط، حينما استغل «المدريدي» ابراهيم دياز مهارته الفائقة ليصطاد ركلة جزاء أشعلت حماس المدرجات، لكن الفرحة لم تكتمل؛ إذ وقف الحارس «سليم بن بوينا» سداً منيعاً أمام تسديدة سفيان رحيمي، في تصدٍ بارع أربك حسابات المغاربة.استمر الشوط الأول بضغط مغربي ومحاولات لفك الشفرة الدفاعية، إلا أن التنظيم الدفاعي لمنتخب جزر القمر حال دون وصول الأسود للشباك، لينتهي النصف الأول من الموقعة بالتعادل السلبي، وسط حبس للأنفاس وترقب جماهيري لما سيحدث في شوط المدربين.بدأ الشوط الثاني، وبدأت معه فرص المغرب ليفتتح أول أهداف البطولة بتوقيع إبراهيم دياز، نجم ريال مدريد، لتشتعل المنافسة والجماهير.وقرّر وليد الركراكي استغلال السرعة والعمق الهجومي بإدخال كلٍّ من الزلزولي والكعبي، ليسجّل هذا الأخير مقصّية خيالية منحت فريقه الهدف الثاني. ومع تقدم الوقت، أثبت منتخب جزر القمر الملقب بـ«أسماك السيلاكانث» أنه خصم عنيد لا يعرف الانهيار؛ إذ شن هجمات مرتدة هددت شباك أصحاب الأرض، إلا أن العملاق ياسين بونو كان بالمرصاد، مجهضاً كل المحاولات ببراعة الكبار.ومع اقتراب الصافرة، بدأت احتفالات الجماهير تضيء سماء العاصمة الرباط في مشهد سينمائي، لتنتهي المواجهة بفوز مستحق لأسود الأطلس بثنائية نظيفة. فوز وضع المغرب في صدارة المجموعة مبكراً، لكنه كشف أيضاً أن الطريق نحو الذهب الأفريقي لن يكون مفروشاً بالورود.