تتعدد أشكال الأمية، ولم تعد مقتصرة على الأمية الأبجدية، وصرنا نتحدث عن أمية لغوية نحوية، وأميّة رقمية، وأميّات أخلاقيّة، وحوارية، وغيرها. فالأمية الحوارية تتمثل في ضعف مهارات التواصل، والحوار، والتفكير. وفي محاولة طرف في الحوار إقناع الآخر بتغيير وجهة نظره! (١) المغالطات وكشف المغالطات كلنا يعرف مغالطات الخلط بين السبب والنتيجة، وبين الرأي والحقيقة، وبين السبب المباشر وغير المباشر، بين المترتبات ذات الصلة والصدفة، بين الجزء والكل، بين التعميم العلمي وغير العلمي! بين الأحكام المسبقة والتجربة العلمية، بين الحقائق وما يقال لنا…إلخ. هذه نماذج اعتاد الكثيرون استخدامها بشكل عفوي؛ نتيجة جهل، أو بشكل متعمّد ؛ نتيجة غرض. (٣) التفكير الناقد من المسلّمات أن التفكير الناقد كفيل بكشف معظم هذه المغالطات، وأن مهارات الفحص والشك والتأمل والتمهل في إصدار الأحكام، وعدم التسليم باليقين حتى لو كان علميّا، هي مهارات ضرورية لعدم الانجرار وراء المغالطات وكشفها. في ندوة محترمة، دار نقاش حول مدى انتشار مهارات التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي في المناهج والكتب المدرسية، حيث ترى الأحكام القطعية الحادة يوجود هذه المهارات، أو عدم وجودها من أشخاص ليس لهم علاقة بهذه الكتب، فالرسميون قالوا: كتبنا تنمي مهارات التفكير الناقد، وغير الرسميين أنكروا وجود هذه المهارات. وكان من الواضح قلة اطّلاع معظمهم على ما يتحدثون عنه، مما أطلق العنان لأميّة الحوار. (٣) أميّة الحوار! لا أتحدث عن الحوار مع الأميّين، أو بينهم، بل عن الحوار الأمي! فما الحوار الأمي؟ حين يتحاور طرفان في محاولة كل طرف التفوق على الآخر، فهذا حوار أمي! -حين يتحدث الشخص إلى جمهور لا يعرف مستواه، وحين لا يعرف المتحدث ما يقول ، ومتى يقول، وكيف يقول؛ فهذا متحدث أميّ. فالمرسل أمي! -وحين يتحدث بما لا يعني المستمع ، فالمرسل أميّ. -وحين يستجيب المستمع بعيدًا عن الموضوع، يكون الحوار أميّا. -وحين يحضر المستمع وقد أعدّ مداخلته قبل أن يستمع، فالحوار أميّ. وحين يطيل المرسل رسالته دون أن يضيف شيئًا ، فهذا حوار أمي! وحين لا يعبر المستجيب عن رأيه في دقيقة واحدة، فهذا حوار أمي'ّ -وحين يصرخ المرسل أو المستمع، فالحوار أميّ. فالحوار الأمي؛ هو مرسِل أضاع الرسالة، ومستمِع جاء ومعه رسالته! مع غياب الرسالة أصلًا! (٤) نموذج لحوار أمي! حضرت حوارًا في فندق فاخر، أنكر المتحدث فيه وجود مسلّمات في البحث العلمي! وأنكر وجود تمايز بين حديث موظف حكومي وحديث آخر غير رسمي، وأطلق عددًا من تعميمات لا علاقة له بها. الحوار غير الأمي هو حوار بين طرفين وأكثر بحثًا عن حقيقة ما، وحين يعتقد طرف أنه يمتلك الحقيقة فإننا ندخل في أمية الحوار !! فهمت عليّ؟!! .