بين النخيل وأمواج الفرات.. حكاية جزيرة عراقية توقف فيها الزمن (صور)

شفق نيوز- الأنبار في وسط نهر الفرات، وتحديداً في قضاء حديثة بمحافظة الأنبار، تقف جزيرة آلوس شاهدة على لغزٍ ما زال بلا إجابة، حيث المكان الساحر الذي تحيط بها المياه من كل جانب، لكنها اليوم، خالية تماماً من البشر، ورغم توفر الكهرباء والماء، واقتراب الفرات من منازلها، حيث اختفى سكان الجزيرة فجأة، تاركين خلفهم بيوتاً مهجورة وأشجار ليمون وزيتون ونخيل بلا أصحاب. جزيرة آلوس لم تعد مجرد مكان منسي، بل تحولت إلى سؤال مفتوح عن أسباب الهجرة الجماعية، وعن مشهدٍ يصلح ليكون خلفية لأفلام درامية، لكنها في الواقع قصة حقيقية تختزنها ضفاف الفرات منذ سنوات. الكنز المنسي ويؤكد الباحث والخبير الآثاري عامر عبد الرزاق، أن جزيرة آلوس، الواقعة وسط نهر الفرات في قضاء حديثة غرب محافظة الأنبار، تمثل موقعاً تاريخياً وسياحياً مهماً رغم أنه هجرها منذ نحو 15 إلى 20 عاماً. ويقول عبد الرزاق، لوكالة شفق نيوز، إن "الجزيرة تعد من الجزر النهرية التي تتشكل في المناطق التي يتسع فيها مجرى الفرات، وترتبط ببعضها جسور تؤدي إليها"، مشيراً إلى أن "السكن في الجزيرة يعود إلى أكثر من 50 عاماً، مع وجود بقايا وآثار يعتقد أنها تعود لفترات أقدم بكثير، ما يمنحها قيمة تاريخية كبيرة". ويضيف أن "الجزيرة شهدت استقراراً سكانياً متوارثاً على مدى عقود، وكانت تضم أول مدرسة أُسست في المنطقة مطلع عشرينيات القرن الماضي، فضلاً عن أول مستوصف صحي في الأنبار، إلا أنها تعرضت للهجر لأسباب وصفها بالغامضة، من بينها نقص الخدمات وتغير الظروف الاجتماعية لأبنائها". ويوضح عبد الرزاق، أن "الجزيرة اليوم تضم أكثر من 100 بيت مهجور وبساتين متروكة، ما يمنحها مشهداً يصلح ليكون موقعاً تراثياً وسياحياً مميزاً"، مبيناً أن "حالتها الحالية تشبه موقعاً سينمائياً يمكن أن يتحول إلى معلم ثقافي وسياحي كبير". ويشير إلى أن "استثمار الجزيرة يمكن أن يجعلها أحد أهم الموارد الاقتصادية للعراق، مع إمكانية استقطاب الزائرين من داخل البلاد وخارجها، أسوة بتجارب دول إقليمية وعالمية حوّلت مواقع مشابهة إلى منتجعات سياحية ذات واردات عالية". ويختم عبد الرزاق، حديثه بالقول إن "جزيرة آلوس تمثل حقبة زمنية مهمة من تاريخ المنطقة"، داعياً الجهات المعنية إلى "الالتفات إليها والعمل على تأهيلها وحمايتها بوصفها إرثاً حضارياً واقتصادياً واعداً". طبيعة خلابة.. لكن مهجورة بدوره، يقول مدير دائرة آثار الانبار عمار علي حمدي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز: "بالنسبة لجزيرة آلوس، هي واحدة من المواقع أو الجزر المتعددة على نهر الفرات، تقع في مدينة حديثة وهذه الجزيرة تتمتع بطبيعة خلابة، وهي عبارة عن غابة من النخيل يسكنها المستوطن السكني القديم الذي يعود إلى فترات متأخرة من العصر العباسي". ووفقاً لحمدي، فإنه لغاية هذا الوقت، كانت المدينة في فترة زمنية معينة عامرة، يسكنها أكثر من 140 بيتاً وفيها مدرسة ابتدائية، وهي من أقدم المدارس في مدينة حديثة، تم إنشاؤها سنة 1925، وهي تحمل اسم مدرسة آلوس الابتدائية المختلطة، وهي ما تزال قائمة ودخلت في الأبنية التراثية لدى الهيئة العامة للآثار". كما يرى أن "البيوت الموجودة على الجزيرة أغلبها مبنية من مادة اللبن، وفي فترات متأخرة استعملت فيها مادة الحجر، وما يميز هذه المدينة هو الطابع الديني والالتزام، لكون أحد سكانها سابقاً كان هو الشيخ عبد القادر الآلوسي، وما يزال ضريحه موجوداً في هذه الجزيرة، وجثمانه مدفونة مع أبنائه". ويؤكد حمدي، أن "الجزيرة بوضعها الحالي مهجورة منذ أكثر من 20 عاماً تقريباً، بسبب فيضانات نهر الفرات وانقطاع الجسر المؤدي للجزيرة لأكثر من مرة، ولانتقال أغلب سكان إلى المدن بسبب مواصلة المراحل الدراسية وانتقالهم إلى الرمادي وبغداد، كونهم سكان أهل علم حقيقة، حيث أنتجت العديد من العلماء والأطباء والمهندسين والمدرسين، وكان لهم باع كبير في الدولة العراقية". وبحسب حديثه فإن الجزيرة في الوقت الحالي مهجورة تقريباً، وغير مأهولة بالسكان لكن فيها جامع ومسجد قديم، وفيها ضريح الشيخ عبد القادر الآلوسي وفيها بساتين كثيرة من النخيل وأشجار فواكه متنوعة، يرتادها السائحون في الوقت الحاضر للاطلاع على هذه الأبنية وهذه المزارع والبساتين العامرة التي تقع في وسط نهر الفرات. ويلفت حمدي، إلى أن "هناك العديد من المشاريع المستقبلية لتأهيل هذه المدينة لكي تكون مدينة تراثية سياحية، وتمت مفاتحة الحكومة المحلية في محافظة الأنبار لغرض استغلال هذا الموقع التراثي كموقع سياحي لكي يكون عامل جذب للسياح، بالإضافة إلى أنه داعم اقتصادي للمدينة، وتمت زيارة وفد من هيئة السياحة ومن هيئة الآثار لهذه المدينة، وأبدوا إعجابهم بهذه المدينة وبهذا الطراز الحضاري للبيوت الموجودة فيها". ودعا مدير آثار الانبار، السائحين والزائرين إلى زيارة هذه المدينة والاطلاع على تاريخها المغلف بالقدم، لافتاً إلى أن سكان هذه الجزيرة حالياً يسكن قسم منهم في مدينة حديثة، والآخر هاجرها إلى العاصمة بغداد أو مركز المحافظة الأنبار.