جنسية تلقائية للطفل وإقامة دائمة للوالدين.. ما حق الأرض وكيف يطبق في البرازيل؟

تبحث العديد من العائلات العربية عن مستقبل أفضل لأبنائها يضمن لهم فرصا مفتوحة للدراسة والعمل في الخارج، وقدرة على التنقل بحرية بعيدا عن تقييدات التأشيرة التي يفرضها واقع جواز السفر في الكثير من البلاد العربية، لا سيما تلك التي تعاني من النزاعات أو الأزمات الاقتصادية والسياسية. وفي هذا السياق، قد يكون الحصول على جنسية دولة أخرى خيارا مطروحا يضمن للطفل وضعا قانونيا مستقرا ومستقبلا أفضل، لا سيما من النواحي التعليمية والمهنية. وعلى الرغم من أن الحصول على جنسية أخرى يعتبر مسارا طويلا وشائكا في معظم دول العالم، فإن الدول التي تمنح "حق الأرض" توفر طريقا مختصرا يمنح الطفل الجنسية بشكل تلقائي فور الولادة. فما هذا الحق، ولماذا تعتبر البرازيل من أبرز الدول المانحة له؟ ما حق الأرض؟ "حق الأرض" هو مبدأ قانوني يقوم على منح الجنسية تلقائيا لأي طفل يولد داخل حدود دولة معينة، بصرف النظر عن جنسية والديه أو وضعهما القانوني، بحيث يصبح مكان الولادة وحده أساس الانتماء القانوني للدولة. ويختلف هذا المبدأ عن نظام "حق الدم"، الذي تكتسب فيه الجنسية عبر رابطة النسب وجنسية الأب أو الأم، وهو النظام السائد في معظم دول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، إذ لا يترتب على الولادة داخل الإقليم وحدها أي أثر قانوني مباشر، إلا في حالات استثنائية أو بعد استيفاء شروط إقامة طويلة ومعقدة. وهنا تبرز أهمية حق الأرض في كونه يمنح الطفل منذ لحظة ولادته وضعا قانونيا واضحا ومستقرا، ويحصّنه من مشاكل انعدام الجنسية أو الغموض القانوني، كما يفتح أمامه آفاقا أوسع ومستقبلا أرحب في مجالات التعليم والعمل وحرية التنقل، ويمنحه نقطة انطلاق أقوى في عالم تحكمه إلى حد كبير قيود الجنسية وجواز السفر. ما الدول التي تمنح الجنسية بالولادة؟ لطالما كان "حق الأرض" مبدأ واسع الانتشار تاريخيا، غير أن عدد الدول التي تطبقه بصيغة غير مشروطة شهد تراجعا ملحوظا في العقود الأخيرة، ولا سيما في أوروبا وآسيا، إذ اتجهت تشريعات الجنسية نحو أنظمة أكثر تقييدا تقوم على "حق الدم" أو على صيغ هجينة تجمع بين المبدأين. لكن في المقابل، لا تزال دول الأميركتين، وخصوصا في أميركا اللاتينية، تمثل الاستثناء الأبرز، إذ حافظت على "حق الأرض" بوصفه جزءا من هويتها الدستورية المرتبطة بتاريخ الهجرة وبناء الدولة. ومن أبرز هذه الدول: في أميركا الشمالية: الولايات المتحدة وكندا. في أميركا الجنوبية: البرازيل والأرجنتين وتشيلي وكولومبيا وبيرو. في أميركا الوسطى والكاريبي: المكسيك وكوستاريكا وبنما وجامايكا ودول أخرى. ورغم أن هذه الدول جميعها تمنح "حق الأرض" فإنها تختلف في الإجراءات والتفاصيل، كما تختلف في قوة الجنسية الممنوحة، والحقوق المرافقة لها، وتأثيرها على وضع الوالدين. ما الذي يميز البرازيل؟ تتميز الجنسيتان الأميركية والكندية بأنهما الأقوى في القائمة، ومع ذلك قد لا تكونان الخيار الأفضل بالنسبة لكثيرين، ففي الولايات المتحدة يمنح الطفل الجنسية تلقائيا عند الولادة، لكن الوضع القانوني للوالدين قد يكون معقدا، خصوصا مع السياسات المشددة المتعلقة بالإقامة والعمل، والتي شهدت تصعيدا من قِبَل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما في ذلك زيادة قيود التأشيرات وتعقيدات تطبيق قوانين الهجرة. أما في كندا فيمنح الطفل الجنسية أيضا فور ولادته، ويتيح ذلك للوالدين التقدم لاحقا للحصول على الإقامة الدائمة، لكن العملية تتطلب خطوات رسمية دقيقة وفترة طويلة من الانتظار، مما يجعلها أقل مرونة مقارنة بخيارات أخرى مثل دول أميركا الجنوبية والوسطى والكاريبي. وفيما يتعلق ببقية الدول في القائمة، فتأتي تشيلي في مقدمتها من حيث قوة جواز السفر وتليها البرازيل ثم الأرجنتين، لكن من بين هذه الدول تبقى الإجراءات في البرازيل الأكثر سلاسة. ومن بين الميزات التي تجعل البرازيل خيارا مثاليا للحصول على حق الأرض: 1. جنسية فورية وغير مشروطة للمولود ينص الدستور البرازيلي بوضوح على أن كل طفل يولد على الأراضي البرازيلية يصبح مواطنا برازيليا تلقائيا، باستثناء حالات محدودة جدا تتعلق بأبناء الدبلوماسيين الأجانب. ويأتي منح الجنسية بشكل مباشر بعد الولادة، دون شروط إقامة أو مدة انتظار، كما لا يمكن سحبها لاحقا مهما كان الوضع القانوني للوالدين. 2. جواز سفر قوي يحصل الطفل البرازيلي على جواز سفر يتيح له دخول أكثر من 160 دولة دون تأشيرة أو بتأشيرة عند الوصول، بما في ذلك معظم دول أوروبا وأميركا اللاتينية. هذا الأمر قد لا يبدو مهما في سنوات الطفولة، لكنه يصبح بالغ الأهمية لاحقا ويقدم تسهيلات كبيرة فيما يتعلق بالدراسة في الخارج أو البحث عن فرص عمل جيدة أو حتى سهولة التنقل بين البلدان بغرض السياحة. 3. تأثير مباشر على الوضع القانوني للوالدين رغم أن البرازيل لا تمنح الجنسية تلقائيا للوالدين، فإن ولادة طفل برازيلي تفتح أمامهما بابا مهما، وهو حق التقدم للحصول على الإقامة الدائمة، وبهذا الحق يستطيع كلا الأبوين الإقامة بشكل قانوني في البرازيل كما يسمح لهما بالعمل والدراسة، ويستطيعان التقدم لاحقا للحصول على الجنسية البرازيلية شريطة الإقامة في البلد مدة لا تقل عن سنتين إلى جانب إتقان اللغة البرتغالية. 4. غياب التعقيدات القانونية من الناحية القانونية لا توجد الكثير من التعقيدات المرتبطة بسفر الأم إلى البرازيل، وتبعا لجنسيتها قد تستطيع الوصول دون تأشيرة أو بتأشيرة سياحية مع الالتزام بمدة الإقامة المسموح بها، ولا توجد أي قيود قانونية تمنع المرأة الأجنبية من الولادة على الأراضي البرازيلية. كما أن إجراءات تسجيل المولود وإصدار شهادة الميلاد تتم بسلاسة، وهي إجراءات واضحة خالية من التعقيد والبيروقراطية، التي قد توجد في دول أخرى تمنح "حق الأرض"، لا سيما وأن بعضها بدأت بفرض قيود صريحة على ما بات يعرف باسم "سياحة الولادة". 5. النظام الصحي في البرازيل تملك البرازيل نظاما صحيا مزدوجا: الأول هو النظام العام (المشافي الحكومية) ويتميز بأنه متاح للجميع بما في ذلك الأجانب، والثاني هو النظام الخاص الذي يتميز بجودة عالية خاصة في المدن الكبرى. ​​تجربة واقعية حول الولادة في البرازيل على الرغم من أن الولادة في دولة تمنح "حق الأرض"، فإنه غالبا ما تكون خيارا للعائلات التي تحمل جنسيات لا تتيح سوى فرص محدودة للتنقل والعمل والدراسة، غير أن أصحاب الجنسية القوية قد يرون فيها كذلك فرصة لاستثمار طويل الأمد في مستقبل طفلهم. وهذه كانت وجهة نظر دانييل، الأميركية المتزوجة من بريطاني، وفقا لما كتبته في مدونتها على موقع "ذا وندرلوفر". فقد تحدثت دانييل بالتفصيل عن تجربتها في البرازيل، ونصحت بـ4 مدن تشكل خيارات مثالية للولادة، وهي: ساو باولو وبرازيليا وفلوريانوبوليس وريو دي جانيرو. وعلى الصعيد الشخصي اختارت ريو دي جانيرو، التي تتميز حسب قولها بالمستشفيات الممتازة، والبيئة الاجتماعية الودودة والطبيعة الخلابة. وعلى الرغم من أن المستشفيات الحكومية متاحة للأجانب في البرازيل، اختارت مستشفى خاصا لضمان جودة الخدمات وتوفير طبيبة نساء وطاقم طبي كامل يتحدث الإنجليزية. وقد قدرت التكاليف الإجمالية لتجربتها بما يقارب 10 آلاف دولار أميركي، موزعة بين تكاليف المستشفى المقدرة بحوالي ألفي دولار، وأجور الفريق الطبي التي تقارب 6 آلاف دولار تشمل خدمات ما قبل الولادة والولادة وما بعدها، إضافة إلى تكاليف أخرى متعلقة بالاستشارات والفحوص الطبية. وأشارت إلى أن الأسعار تختلف باختلاف المدينة والمستشفى والطبيب، وأن المعدل الشائع للعائلات الأجنبية يتراوح عادة بين 3 آلاف و6 آلاف دولار، مع احتمال أن تكون أقل أو أكثر حسب الخدمات المختارة وخبرة الفريق الطبي. اعتبارات لا بد من التفكير بها رغم المزايا العديدة لا يمكن القول إن خيار الولادة في البرازيل مناسب للجميع، فالأمر يتطلب الكثير من التخطيط المسبق والمعرفة الدقيقة بالقوانين والقدرة على تغطية التكاليف الطبية والسفر. كما يجب أن يكون لدى العائلة استعداد للتعامل مع لغة وثقافة مختلفتين، والأخذ بعين الاعتبار أن الوصول إلى البرازيل يجب أن يكون في بداية الثلث الثالث من الحمل، إذ لا ينصح بالسفر في المراحل المتقدمة من الحمل نظرا للمخاطر الصحية المحتملة. المصدر: مواقع إلكترونية .