ناجون من الإبادة في غزة يتركون الخيام الغارقة.. ويعيدون بناء بيوتهم بالطين

في ظل الحرب والدمار، تعود غزة إلى مشهد بدائي يعكس عمق المأساة؛ فبعد تدمير آلاف المنازل بفعل العدوان، لجأت عشرات العائلات إلى تشييد بيوت من الطين، في صورة تعيد إلى الأذهان مشاهد من قرون مضت، لكنها اليوم تمثل الملاذ الأخير لضحايا التهجير. على أطراف المدينة، تنتشر أكواخ طينية بُنيت بأيادٍ أنهكها البرد والجوع، بلا أساسات أو عوازل، تتسرب منها مياه المطر، وتهتز جدرانها مع أول هبّة ريح. العودة إلى الطين هنا ليست خياراً، بل اضطراراً فرضه غياب الدعم الدولي وتعطل جهود الإعمار. ومع اقتراب الشتاء، يتصاعد القلق من كارثة إنسانية تهدد آلاف الأسر التي وجدت في هذه المساكن الهشة ملجأً مؤقتاً لحياة فقدت كل مقومات الأمان. يقول محمد الدعمة، أحد الناجين من الإبادة في غزة، لـ"قدس برس": "ما باليد حيلة. نستر حالنا بما هو متوافر. لا إسمنت، ولا حجارة، ولا إعمار. والخيام لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء". ويضيف، بينما يمسح العرق عن جبينه: "لجأنا إلى بيوت الطين علّها تحمينا من الغرق في المنخفض القادم. ليست حلاً دائماً، لكنها مؤقت يخفف البرد حتى يبدأ الإعمار". ويتابع: "العمل متوقف، وإيجارات البيوت تتجاوز 500 دولار. لم يبقَ أمامنا سوى العودة إلى حياة أجدادنا، وتغطية البيوت بالشوادر حتى لا تغرقها الأمطار". ويشير إلى أنهم اضطروا إلى "تدعيم الحجارة بالطين بدلاً من الإسمنت، لأنه غير متوافر، وإن وجد فسعره يفوق قدرتنا الشرائية بعد فقدان مصدر الدخل". ولا يختلف حال الناجي من الإبادة، علاء بهجة، الذي عاد إلى ركام منزله واستصلح ما تبقى من حجارة ليعيد بناءه بالطريقة البدائية التي اعتمدها أجداده إبان النكبة. يقول لـ"قدس برس": "بعد النزوح، قصف الاحتلال بيوتنا التي تعبنا فيها سنين العمر. عدنا بعد وقف إطلاق النار ونصبنا خياماً قرب منازلنا المدمرة، لكننا غرقنا مع أول منخفض". ويضيف: "قررت جمع الحجارة ووضعها فوق بعضها وتسليحها بالطين بدلاً من الإسمنت". ويشرح بهجة مراحل البناء: "لم يكن الأمر سهلاً. بدأنا بالبحث عن الطين الذي كنا نستخدمه قديماً في الأفران، واضطررنا للاقتراب من مناطق وجود الاحتلال قرب الخط الأصفر، والمخاطرة بحياتنا. ثم خلط الطين بالماء، فالبناء، ثم التسقيف بألواح الزينكو والنايلون". وتتردد عبارة "ما باليد حيلة" على ألسنة الغزيين كلما هطلت الأمطار أو هبّت الرياح أو بكى طفل من البرد، في إشارة إلى معركة يومية يخوضونها داخل جدران طينية هشة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 دمّرت أكثر من 123 ألف وحدة سكنية، وتسببت بتضرر 75 ألف مبنى آخر، ما يعني أن نحو 85 بالمئة من مباني قطاع غزة أصابها الدمار أو الضرر. .