الجاسوس الذي تسبب في كارثة حرب حزيران 1967 ( 3 – 3 )

يقول ( نويّر ) : في آخر اتصال لاسلكي بيني وبين إسرائيل، قبل موعد حفلة النصر هذه الليلة، أبلغت إسرائيل بأن عددا كبيرا من الطيارين المصريين، سيأخذون الإجازات في يومي الأحد والاثنين، وأن قادة الجيش المصري سيقومون صباح الاثنين بجولة في سيناء. كما أبلغتهم أيضا، بأن السفير الروسي في القاهرة، طلب بشدة من الرئيس عبد الناصر عدم مهاجمة إسرائيل. ولهذا اقترحت عليهم في إسرائيل، أن لا يضيعوا آخر فرصة لهم للهجوم على مصر، في صباح يوم الاثنين الباكر. ويواصل ( نويّر ) قائلا : إن ما شاهدته الليلة كان جديدا عليّ، فقد استمرت الحفلة من المساء إلى منتصف الليل على وتيرة واحدة ، حيث ينتهي اليوم ويبدأ يوم جديد. وفي ساعتي رأيت كيف يختفي الرقم 4 ويحل محله الرقم 5 مشيرا إلى تاريخ اليوم الجديد. وفي الساعة 52 : 7 دقيقة صباح يوم 5 حزيران وصلني الرمز من إسرائيل، بتدمير جهاز الإرسال وجميع المعلومات التي لديّ، والمغادرة جوا إلى تركيا. وفي هذه اللحظات خطر ببالي أنه بعد ساعة واحدة، ستظهر أهمية السنوات التي أمضيتها في مصر. وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات، سيفهم كل من في رأسه عقل، ماذا فعلتُ خلال السنوات الطويلة، التي أمضيتها في مصر. وفي الساعة 40: 7 دقيقة بتوقيت إسرائيل ( الساعة 40 : 8 دقيقة بتوقيت القاهرة ) وبينما كان الجاسوس ( نويّر ) جالسا في شرفة منزله، يشاهد الحمم التي بدأت تتساقط على القواعد الجوية المصرية، لتدمر كامل سلاح الجو المصري، الذي كانت طائراته جاثمة على الأرض، وتمّ إخراجها من العمل. ولكن طائرة المشير عامر ورفاقه، بقيت معلقة في الجو، تهرب من الطائرات المقاتلة الإسرائيلية، وتبحث عن موطئ قدم تهبط به. وبعد إنجاز المهمة ضد الطيران المصري، استدار سلاح الجو الإسرائيلي، للإجهاز على بقية طائرات الدول العربية المجاورة. استمرت الحرب بين دول المواجهة العربية وإسرائيل لمدة ستة أيام، كانت السيطرة الجوية الكاملة فوق ساحات القتال لسلاح الجو الإسرائيلي. وكانت القوات العربية تقاتل مكشوفة دون غطاء جوي، مما جعلها تخسر الحرب وتحتل إسرائيل أراضي ثلاث دول عربية، وتغيّر على أثرها خريطة الشرق الأوسط. وهنا تجسّدت أمام العالم العربي، تلك الكارثة التي حلّت به، و ما زال يعاني من آثارها حتى اليوم. فمن دراستنا للمعلومات التي أوردها الجاسوس ( آرام نويّر ) في هذا الكتاب، عما حدث في حرب حزيران، يمكن أن نستنتج الدروس التالية في الخطايا الكبرى، التي ارتكبها قائد سلاح الجو المصري آنذاك صدقي محمود : 1. السماح بإقامة حفلات ماجنة للطيارين، في مختلف القواعد الجوية خلال ظروف الطوارئ، والتي كانت سببا في خسارة حرب حزيران 1967. 2. لماذا لم يعترض أي من كبار المسئولين المدنيين والعسكريين، ابتداء من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وحتى قادة القوات المسلحة، على إقامة هذه الحفلات في ذلك الظرف الحرج ؟ 3. لا شك بأن الحرب تشكل مخاطرة محسوبة، ويجب أن تتم دراستها والاستعداد لها من جميع النواحي، وأن لا يجري خوضها عشوائيا، ومن خلال وسائل الإعلام دون تحضير تام لها. 4. المعلومات الدقيقة عن العدو لها أهمية كبرى، في رسم الخطط العسكرية المحكمة، والتي يجب أن تكون احتمالات النجاح بها كبيرة، وبعكس ذلك يجب عدم الإقدام عليها. 5. يجب إجراء مسح كامل لكل من يتعامل مع القوات المسلحة، تجنبا لزرع الجواسيس في مفاصلها، ومنع الاطلاع على المعلومات والخطط العسكرية الموضوعة، لغير المصرح لهم بذلك وبقدر الحاجة. 6. إبقاء أجهزة المراقبات والرادارات ووسائل الاتصال عاملة طيلة الوقت، مع استخدام المناوبات المتكررة على مدار الساعة. وهذا يذكرنا . . بعدم استقبال القيادة العسكرية المصرية للكلمة الرمزية المتفق عليها بين الطرفين ( عنب )، للإنذار بوجود طائرات معادية في الجو، والتي حاولت قاعدة رادار عجلون الأردنية، إرسالها في صباح يوم 5 حزيران إلى القيادة المصرية، قبل بدء الهجوم الجوي، ولكنها لم تستلمها بسبب إغلاق أجهزة الاستقبال في تلك الفترة، من قبل عريف الإشارة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : لو استلمت القيادة المصرية رسالة الإنذار الموجهة من قاعدة رادار عجلون، هل ستختلف نتيجة الضربة الجوية ؟ أعتقد أن النتيجة هي نفسها ولن تختلف عما حدث. والسبب أن الطيارين المصريين كانوا قد فرغوا من حفلات السهر، في الساعة الخامسة من صباح يوم 5 حزيران، وكانوا مرهقين جسمانيا، وبعيدون عن طائراتهم المقاتلة . . ! وسواء كانت هذه الرواية حقيقية أم خيالية ( كما يدعي البعض )، علينا أن نأخذها بعين الاعتبار لكي لا نقع في شرَك مشابه، إذ سبقها قصة مماثلة نفذها الجاسوس إيلي كوهين في سوريا تحت اسم ( كامل ثابت )، في عام 1961 – 1965، وأقام علاقات مع نخبة من كبار السياسيين والعسكريين والسوريين، لدرجة أنه عُرض عليه كما قيل، منصب نائب وزير الدفاع السوري. ولكن تم إعدامه بعد أن تم اكتشافه في وقت لاحق. والأخطر من كل ذلك، أننا كعرب، ما زلنا نجامل ونخدع أنفسنا، فنطلق على الهزيمة ( نكسة )، وعلى الانسحاب ( تقدم معكوس )، وعلى السقوط ( البحث عن ثروات الأرض ) وعلى الفشل ( نجاح محلي ). وكل هذه التغطيات والمراوِغات، هي محاولات لخداع النفس تجنبا لمواجهة الحقائق، والاستفادة من الأخطاء السابقة، تجنبا للوقوع بمثلها في المستقبل. .