إدارة التجربة الإنسانية في أزمات المطارات..!

الأزمات في المطارات لا تبدأ فجأة، ولا تنتهي بإعادة فتح البوابات وإقلاع الرحلات، هي غالباً تكون نتيجة عوامل متداخلة، مثل الطقس، التشغيل، كثافة الحركة، البنية التحتية، وسلسلة قرارات دقيقة يكفي أن يختل أحدها حتى يظهر الأثر للجميع.ما حدث في مطار الملك خالد الدولي قبل أيام أعاد إلى الواجهة سؤالاً مهمّاً حول إدارة الأزمات في المطارات الكبرى؟ وهل المشكلة تكمن في الحدث ذاته، أم في طريقة التعامل معه والتواصل مع الناس؟بدايةً، لا يمكن فصل حجم ما جرى عن طبيعة المطار نفسه، فهو بوابة العاصمة، ويعمل بطاقة عالية، ويمثّل نقطة محورية في شبكة الطيران الإقليمي والدولي؛ لذلك أي اضطراب مهما كان محدوداً سيتضخم أثره تلقائياً، تأخير رحلة واحدة في مطار كبير يقود لتأخيرات تمتد إلى ثلاث قارات، لكن الواقعية تقول إن إدارة الأزمات لا تُقاس فقط بسرعة إعادة التشغيل، بل بجودة القرار في اللحظة الأولى، التوقيت هنا جوهري، فهو الفارق بين احتواء الموقف وتضخيمه.في مثل هذه الحالة، لا يكفي أن تعمل الفرق الميدانية بأقصى طاقة بل لا بد من الشفافية، والشفافية لا تعني كشف كل التفاصيل، يكفي تقديم صورة صادقة تحترم عقل العميل ووقته.المسافر لا يطلب معجزات، ولا ينتظر كمالاً مطلقاً، يريد فقط أن يفهم ما يحدث وكم سيستغرق؟ وما الخيارات المتاحة؟ فحين يغيب التواصل، تتفاقم الأزمة.ما حدث كشف الحاجة إلى أدوات أكثر مرونة، وخطط بديلة أوضح، وسيناريوهات جاهزة، ونماذج تشغيل تسمح بتخفيف التكدّس، حتى لو تطلّب الأمر قرارات صعبة ومؤلمة على المدى القصير، لكنها أقل تكلفة على المدى المتوسط.وما يُحسب لمطار الملك خالد أن الخدمة لم تتوقف، كانت الحركة مستمرة رغم الضغط، والفرق تعمل في ظروف معقدة، هذه ليست مجاملة، بل حقيقة يجب أن تُقال إنصافاً لمن يعملون بعيداً عن الأضواء، لكن في المقابل، المسافر لا يرى التعقيد، هو يرى النتيجة فقط.الأزمات في وجهها الآخر ليست دليلاً على الضعف، بل على حجم العمل، والمطارات التي لا تمر بأزمات غالباً هي مطارات لا تعمل عند حدود طاقتها، الفارق الحقيقي هو ما بعد الأزمة، هل تتحوّل إلى درس، بحيث تُراجع الإجراءات وتُصنع ذاكرة مؤسسية تمنع تكرار المشهد؟الحدث يجب أن يُقرأ من هذه الزاوية، لا كتقصير يدان، ولا كملف يُغلق، بل كمرآة تعكس ما نملك من إمكانات، وما نحتاج من تحسين.الفرق بين من يتجاوز الأزمة ومن يتعلم منها، أن الأول يراها طارئة، بينما الثاني يتعامل معها كجزء من طبيعة العمل، خاصةً والطيران صناعة تقوم على التفاصيل، وأي تفصيل صغير لا يُدار جيداً يظهر فوراً بحجم أكبر، لذلك تحتاج المطارات الانتقال من عقلية «إدارة الحدث» إلى فكر «إدارة الاحتمال» كما أن «إدارة التجربة الإنسانية» أثناء الأزمة لا تقل أهمية عن إدارة المشكلة ذاتها؛ كلمة واحدة قد تغيّر مزاج آلاف الأشخاص خلال دقائق.لقد ارتفعت توقعات الناس في هذا الزمن، وأصبحت «إدارة الاحتمالات» جزءاً أساسياً من جودة الخدمة، هذه هي المعادلة الجديدة، ومن يفهمها يحوّل أصعب اللحظات إلى نقاط قوة؛ لأن القيمة الحقيقية للحدث ليست في القدرة على تجاوزه، بل في توثيقه وتحليله، وتحويله إلى معرفة تشغيلية تحمي المستقبل.