رحلة هروب من قلق التوتر إلى راحة الطمأنينة

لم يعد «التوتر» حالة استثنائية كما في السابق، بل بات شعوراً يومياً يرافق الناس في أعمالهم وبيوتهم وتنقلاتهم؛ نتيجة الضغوط المتزايدة، وتداخل المسؤوليات، وسرعة الإيقاع التي تفرضها الحياة الحديثة.والتوتر استجابة نفسية وجسدية تحدث عندما يواجه الإنسان مطالب وضغوطاً تتجاوز قدرته على التكيف معها، وهو تعريف يعكس أن التوتر ليس مجرد شعور نفسي، بل تفاعل شامل يمتد إلى أعضاء الجسم وأنظمته الحيوية كافة.وتكمن خطورة التوتر في أنه لا يؤثر على المزاج فقط، بل يمتد إلى الصحة العامة، فقد أثبتت دراسات طبية حديثة أن التوتر الدائم يؤدي إلى إفراز مستمر لهرمونات التوتر مثل «الكورتيزول»، وهو ما يسبب ارتفاع ضغط الدم، وزيادة معدل ضربات القلب، واضطراب النوم، ومشكلات في الهضم، كما بينت الأبحاث أن التوتر يضعف الجهاز المناعي بشكل ملحوظ، لأنه يعطل توازن الخلايا المناعية ويقلل قدرتها على مواجهة الالتهابات والعدوى. وقد ربطت تقارير طبية صدرت في 2025 بين مستويات التوتر العالية وبين ارتفاع معدلات أمراض القلب والشرايين، إضافة إلى تأثيره على اضطرابات القلق والاكتئاب ومشكلات الذاكرة والتركيز.ورغم كل هذه الحقائق؛ نجد أن الإنسان قادر على الحد من التوتر والتعامل معه بطرق فعالة تضمن له حياة أكثر هدوءاً وسعادة، وتبدأ الخطوة الأولى بالتعرف على مصادر التوتر وتحديد ما يمكن تغييره وما لا يمكن تغييره، ثم العمل على تنظيم الوقت، وتقليل الضغوط غير الضرورية، وموازنة المهام اليومية بوقت مخصص للراحة، وتلعب الرياضة المنتظمة دوراً مهماً في تخفيف التوتر، لأنها تحفز الجسم على إفراز هرمونات السعادة وتقلل من مستويات «الكورتيزول»، أما تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق والتأمل فهي اليوم من أكثر الأساليب فعالية لاستعادة التوازن، ولا يقل الدعم الاجتماعي أهمية، فمشاركة المشاعر مع أشخاص موثوقين تساعد على تخفيف الضغط بشكل كبير.إن العيش بسعادة في زمن مليء بالضغوط ليس مستحيلاً، لكنه يحتاج إلى وعي وإدارة ذكية للحياة، فالتوتر جزء من طبيعة البشر، لكن تحوله إلى نمط دائم يمكن تغييره بتبني أسلوب حياة صحي ومتوازن، ومع إدراكنا لمصادر التوتر وفهم تأثيراته، يصبح الإنسان أكثر قدرة على استعادة هدوئه الداخلي والتمتع بحياة أكثر طمأنينة ورضاً.