قفزت أسعار النحاس إلى ما يقارب 12,000 دولار للطن المتري، مسجلة أقوى مكاسب سنوية للمعادن منذ العام 2009، في ظل تزايد اضطرابات الإمدادات والطلب العالمي القوي، وتعكس هذه الزيادة ظروفًا استثنائية من توقف بعض المناجم، والتخزين الاستراتيجي قبيل فرض تعريفات محتملة من الولايات المتحدة، والاحتياجات المتزايدة لمشاريع الطاقة والتحول الرقمي وبنى الذكاء الاصطناعي. وأدت مشكلات الإنتاج الكبرى إلى نقص حاد في سوق النحاس؛ ففي سبتمبر الماضي تسبب انهيار طيني في منجم “غراسبرغ” بإندونيسيا، أحد أكبر مناجم النحاس في العالم، إلى خفض توقعات الإنتاج، وساهم في العجز العالمي بالإمدادات، كما فاقمت الأعطال غير المخطط لها في مناجم عدة بالعالم الوضع، إذ قبلت المصاهر أخيرًا رسوم معالجة صفرية لكل طن، وهو الأدنى على الإطلاق؛ ما يشير إلى ضغوط شديدة على توافر النحاس المكرر. كما تسارعت شحنات النحاس إلى الولايات المتحدة بشكل كبير مع قيام المتداولين بتقديم وارداتهم لتفادي التعريفات المرتقبة ضمن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويهدد هذا التدفق الموجه نحو الولايات المتحدة بتجويع الأسواق الأخرى؛ ما يزيد اختلال التوازن. وسجلت عقود النحاس الآجلة لثلاثة أشهر في بورصة لندن للمعادن (LME) أخيرًا 11,434.50 دولار للطن، قبل أن ترتفع بنسبة 0.7 % لتصل إلى 11,966.50 دولار في تداولات شنغهاي، فيما تقدمت أيضًا أسعار الألمنيوم والزنك والنيكل. ويُعزى ارتفاع الطلب على النحاس إلى دوره في التحول الطاقي والتقنيات الحديثة؛ إذ تتطلب مشاريع الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية وتحديث الشبكات أربعة أضعاف كمية النحاس مقارنة بالأنظمة التقليدية القائمة على الوقود الأحفوري، بينما تحتاج المناجم الجديدة إلى بين 10 و15 سنة لتطويرها.  وتساهم جهود البنية التحتية في الصين، بما في ذلك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والتحضر وتحديث الشبكات، في نصف الاستهلاك العالمي، وقد شهدت نشاطًا متجددًا بعد حزم التحفيز المالي. وفي الاقتصادات المتقدمة عزز التعافي الصناعي استخدام النحاس في المعدات الكهربائية والبناء والنقل، وسجل النشاط الاقتصادي في أوروبا أسرع توسع له في أكثر من عامين بنوفمبر 2025؛ ما أضاف زخمًا صعوديًا، كما أسهمت زيادة توسع بنية الذكاء الاصطناعي في الضغط على الإمدادات، إذ تتطلب مراكز البيانات شبكات أسلاك وأنظمة تبريد كثيفة النحاس. ومنذ بداية العام الجاري قفزت أسعار النحاس نحو 36 %، متجاوزة الارتفاعات التاريخية ومسجلة أرقاما قياسية عدة في 2025، وشملت القمم السابقة 11,333 دولارًا للطن في أوائل ديسمبر وسط ضعف الدولار الأميركي ومخاوف الإمدادات، وقد شهد أكتوبر ارتفاعًا مؤقتًا بعد آمال بتهدئة التجارة بين الولايات المتحدة والصين على رغم استمرار التوترات. وتتوقع “سيتي جروب” وصول سعر النحاس إلى 13,000 دولار للطن بحلول الربع الثاني من 2026، مدفوعًا بالطلب الأميركي المستمر، فيما اختارت “جولدمان ساكس” النحاس كأفضل معدن للعام المقبل، وتُشير توقعات “جي بي مورغان” إلى متوسط 12,500 دولار للطن في الربع الثاني من 2026 عقب استمرار الاضطرابات، كما تُظهر نماذج التداول الآلي إشارات شراء، مع إشارة خبراء مثل دان سميث من “Commodity Market Analytics” إلى أن 12,000 دولار يعد هدفًا قصير الأجل محتملًا.