أكثر شيء مقرف منذ إعلان وقف النار (التي لم تتوقّف فعليّاً) في غزّة.. أولئك الذين سكتوا حدّ الخَرَس إزاء الإبادة والتهجير، وإزاء الخيانة والعمالة والتواطؤ والخذلان، ولم ينبسوا ببنت شفّة، وإذا تكلّم أحدهم اكتفى ببكائيات ولطميّات وحسبنة وحوقلة من فوق الجوزة.. وبمجرد الإعلان عن وقف النار خرج هؤلاء من جحورهم، وعادوا لممارسة مزاوداتهم وعنتريّاتهم وكأنّ شيئاً لم يكن.. بل زادوا من جرعة مزاوداتهم وعنتريّاتهم للتعويض عن خرسهم السابق والتغطية عليه، وبكون "الإلهاء" مطلوب ومحمود في هذه المرحلة، خصوصاً إذا شاب هذا الإلهاء شقاق ونزاع.. هؤلاء "الخُرس الإراديّون" يأتون من خلفيّات ومشارب متنوعة: متديّنون ومؤمنون حدّ تزكية النفس على الآخرين، ومنفلتون وملحدون حدّ تأليه الذات.. معارضون (افتراضيون) للسلطة، و"هاتّون" باسمها وضاربون بسيفها.. أصوليّون حدّ التزمّت، ومتحرّرون حدّ السيولة.. ولكنّهم من حيث "النموذج الكامن" حسب تعبير الدكتور "عبد الوهاب المسيري" تنويعات وتلوينات على قذارة ورخاصة واحدة! تبّاً لكلّ مَن شتتَ الشمل وحرف البوصلة! .