غزّة جنّة الشهداء

قراءة في ديوان الشاعر المبدع سليم أحمد حسن عندما تبحث عن شيء ما تروق لك به ومعه الدنيا،فتجده وأنت تقرأ ما يشبهك، فيما كتبه رواد الكلمة الصادقة، وعشاق النضال المشروع، وأصحاب الأرض المقدسة. من أجل أن تعبر به عن مشاعرك،وعمّا يفيض به قلبك، فيخفف من أحزانك!!لكنك تكتشف فجأة أنك تغرق به في بحر واسع عميق، ليس لك به حيلة،لا منقذاً،ولا باكيا، إلا قواك وعزيمتك….ترتجف حينا وتنتفض أحيانا أخرى وأنت تردد يا الله إنني قادر على تحمل المسؤولية. يا أخوتي وذاتي لا يأس مع الحياة !! نعم إنه زمان الغدر يا غزة،زمان الشماتة من القريب والبعيد،فماذا عساي أن أفعل؟ وماذا عليّ فعله؟ وأنا المكبل بلا أذرع وبلا سيقان. الأخ سليم أحمد، شاعر مرهف، واسع الاطلاع والتجربة،قارئ نهم،يكتب ويعبر عن ألم الأمة وسيل نكباتها.يكشف في كل ما يكتب،بل في كل حرف وكلمة مما يكتبه عن مأساة العصر الحديث،عن قضية مذبح الحقوق والمواثيق الدولية،عن سيرك النزف والهوان الإنساني،عن الأرض المسلوبة التي اتفق العالم كله على سرقتها جهارا نهاراً ،أسرعت إلى أخي سليم الشاعر الملهم،جامع الكلام، وحامل نبض الأمة وهموم قضاياها، باحثاً عمّا يشفي الغليل من الكلام المتشرب؛ قدسية القضية،وشرف الأمة وعنوان عزتها،وواجب النضال مرضاة لله وكرامة البشر سكانها وأصحابها منذ الأزل. فبادرني بديوانه " غزّة جنّة الشهداء " ،فأقبلت عليه، حيث وجدت ضالتي بما يشبع الروح، ويدمي القلب، وتهيج معه العيون دهشة ودمعا. خاصة عندما وقفت مليا عند قصيدة " نشيد الغضب.. ماذا نقول لكم " جهادكم بالنار وجهادنا كلمة.. اللهو يلهينا عنكم بغير حساب .. شهداؤكم أحياء في جنة الرضوان.. أحياؤنا أموات في عالم النسيان .! وصراخكم فينا لم يلق أي جواب وليسكن كلّ الخطباء،وكلّ الشعراء.! لا تُرجع أهلي الكلمات. واحسرتاه هل هذه حقيقة أمتي.! تسعى وراء المال والجاه الذي أعمى العيون، وإنه الغث السمين ، وتفرقت أهواؤنا وتوزعت شرقا وغربا تابعين ومذعنين .. يألله ما الذي يعيدنا ويعيد صحونا وعقلنا ،" حتى نداء الله أو آياته صارت لدينا محض وهم لا يقين .. عذراً غزة ، لا نملك شيئاً نعطيه لكم.. لا نملك غير دعاء الضعفاء.. غزة لا تنزف… بل تتبرع بالدم لقادتنا ولكل الزعماء. فهم أصحاب دم نجس أو حتى دون دماء . وقلت لنفسي لابد من شرفاء، من بين القادة والناس في بلادي، أين هم؟ فقد جاس الصهاينة الأرض والعرض. لكنني وجدتهم في بلاد العالم الغريب أصدق، وأكثر،وأقوى تأثيراً . ووجدت شاعرنا الكبير يجيبني بوضوح وتحسر: الشرفاء فقط، من صمدوا في ساحات الأقصى. ورفعوا أعلام فلسطين… الشرفاء فقط، هم الأسرى والشهداء. لكنني أقول وأنطلق من نفسي ومعرفتي،لقد كشف المجاهدون وحاضنتهم الاجتماعية،قوة العزيمة وصوت الحق، حين عَبروا؛ جاسوا ديارهم، وخطفوا جنودهم، وأرعبوا قطعانهم، وشلوا اقتصادهم،وحطموا غرورهم. وعندها ناديت يا أمة العرب والإسلام آن آوانكم، فلم يستجيب أحد، بل وليتهم وقفوا على الحياد.!! وهنا وجدت الشاعر صاحب الرؤيا الأدق يقول : جيش أذاق جيوش العرب قاطبة هزائماً سألوا : كم نحن نخشاه ؟ وطبّعوا معه ضناً سينصرهم ،، لكن صهيون طبع الغدر أغواه. جيش أحيط إشاعات تُعظمه وذات صبح جميل قد كشفناه .. إذا جاء طوفان أقصانا ففاجأهم وجرهم بحبال الذل أسراه . هي الحقيقة!! لكن وللأسف؛نجد من بيدهم قراراتنا يرددون سرديتهم المشروخة" المجاهدين أعطوا العدو مبررات " تدمير البيوت،والشجر، والمدنيين من النساء والأطفال،بهدف قتل الحياة والمستقبل؛ لا والله إنهم هم المهزومون من داخلهم ،على الرغم من الزلزال الذي صحت معه ضمائر العالم، وأوقف معه آمال الصهاينة بدوام الحال. حتى الأطفال تندروا ورددوا،"وملّ الأطفال غباء العميان."كما وأنا حزنت وتألمت وتاه مني الكلام حين قرأت قول شاعرنا الملهم: على اليرموك قف ألقِ السلاما وكلّمه إذا فهم الكلاما.. وقل يا نهر ضعنا يوم ضاعت كرامتنا، وما زلنا نياما . وزاد من ألمي يأس شاعرنا عندما ردد : هذا الواقع عكس المنطق…لكن " هذا نحن". وعندها تأملت وتيقنت أننا المنتصرون!! كيف لا!؟والمجاهدون عَبروا إليهم؛حاربوهم، وصمدوا بثبات أمامهم،وأدموا جيشهم الجرار الأكثر والأحدث تجهيزا. وأكثر من ذلك صمدوا وأثخنوا جنودهم جراحاً ورعبا، على الرغم من دعم دول العالم الغربي لهم؛ بالسلاح، وشذاذ الآفاق من العسكر المأجورين، والردع بالأساطيل البحرية،وقوات الدفاع المعززة لقبابهم الحديدية. وأقول بخجل وألم: فوق ذلك كله دعمته الكثير من الدول: قريبها وبعيدها؛بالمال، والتموين، والدعم المعنوي، وفي ذات الوقت ضغطت على المجاهدين وشوهت نضالاتهم، وكفرتهم. ورغم كل هذا العهر والتخوين صمدوا وما زالوا صامدين. .