الاقتصاد العراقي 2025.. عام النفط الثقيل والإصلاحات المؤجَّلة

شفق نيوز- بغداد تقرير خاص شهد عام 2025 مساراً اقتصادياً معقّداً في العراق، تداخلت فيه الوفرة النفطية مع هشاشة البنية المالية، وتقدّمُ بعض الملفات الإنتاجية مع تعثّر ملفات أخرى حيوية، أبرزها الطاقة والكهرباء والتنويع الاقتصادي. وقد ظلّ النفط، مرة أخرى، العصب الحاكم للقرار الاقتصادي، فيما حاولت الحكومة موازنة متطلبات الاستقرار المالي مع ضغوط داخلية وخارجية متزايدة. كما عكس المسار الاقتصادي خلال عام 2025 تداخلاً واضحاً بين القرارين الاقتصادي والسياسي، إذ لم تُدار الملفات الكبرى بمعزل عن الاعتبارات الجيوسياسية والضغوط الخارجية والتوازنات الداخلية، وهو ما قيّد هامش المناورة الحكومية، خصوصاً في ملفات الطاقة، والرواتب، والشراكات الدولية، وأجّل تنفيذ إصلاحات بنيوية طال انتظارها. النفط والغاز: عام العقود الكبيرة والتحولات الحساسة تصدّر ملف النفط المشهد الاقتصادي بوصفه المصدر الرئيس للإيرادات العامة، في ظل تقلبات الأسعار العالمية والتزامات العراق ضمن تحالف "أوبك+"، وانعكاس ذلك على الموازنة والإنفاق العام. بداية العام حملت مؤشراً إيجابياً، إذ أعلنت شركة نفط الوسط في 20 كانون الثاني/يناير، بالتعاون مع شركة (EBS) الصينية، عن اكتشاف نفطي كبير في حقل شرق بغداد الجنوبي يقدَّر بنحو ملياري برميل. لكن سرعان ما واجه القطاع ضغوطاً حادة، ففي 28 آذار/مارس اقترح العراق خفض إنفاق الشركات النفطية العالمية بنسبة 30 بالمئة بعد انهيار الأسعار، مع الحفاظ على مستويات الإنتاج. منتصف العام كان حافلاً بالتعاقدات، أبرزها توقيع اتفاق مبادئ لتطوير حقل حمرين مع شركة HKN الأميركية، وإطلاق الأعمال التنفيذية لمصفاة نينوى بطاقة 70 ألف برميل يومياً، إضافة إلى عقد تطوير حقل عكاز الغازي مع شركة شلمبرجر الأميركية، ورفع إنتاجه إلى 100 مليون قدم مكعب قياسي يومياً. وفي أيلول/سبتمبر، وُقّع اتفاق التشغيل المشترك لمشروع تنمية الغاز المتكامل GGIP في حقل أرطاوي بالبصرة مع "توتال إنرجيز" و"قطر للطاقة"، في خطوة وُصفت بأنها من أهم مشاريع دمج النفط والغاز والطاقة النظيفة. كما عاد النفط للتدفق عبر خط أنابيب إقليم كوردستان إلى تركيا لأول مرة منذ أكثر من عامين ونصف. وفي 4 تشرين الاول/ اكتوبر، وقعت وزارة النفط العراقية عقداً مع شركة إكسيليريت الأميركية لتنفيذ مشروع المنصة العائمة للغاز الطبيعي في محافظة البصرة وبموجب الاتفاقية، ستزود "إكسيليريت إنرجي" العراق بأول وحدة عائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى غاز، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر. كما أعلنت وزارة النفط عن توقيع تفعيل عقد تطوير حقول كركوك الأربعة مع شركة بي بي البريطانية (كركوك بقبتيه "بابا و آفانا" ، وجمبور، وباي حسن، و خباز) بالإضافة إلى تأهيل منشآت شركة غاز الشمال، لزيادة الإنتاج من الغاز . غير أن الملف لم يخلُ من أزمات، إذ أعلنت شركة لوك أويل الروسية حالة القوة القاهرة في حقل غرب القرنة-2 بسبب العقوبات الأميركية، ما دفع بغداد لاحقاً إلى توجيه دعوات مباشرة لشركات نفط أميركية لإدارة الحقل. في تطور لافت، أعلن العراق في 4 تشرين الثاني/نوفمبر إيقاف استيراد البنزين والديزل والكيروسين بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، في خطوة مهّدت لتحول البلاد إلى مصدر للمشتقات النفطية خلال المرحلة المقبلة، وهو إنجاز اقتصادي ظل مؤجلاً لسنوات طويلة. في 1 كانون الاول/ ديسمبر وجهت وزارة النفط، دعوات مباشرة وحصرية لعدد من الشركات النفطية الأميركية الكبرى للدخول في مفاوضات رسمية وتقديم عروضها الفنية والتجارية، بهدف التنافس على إدارة حقل غرب القرنة الثاني. الكهرباء والطاقة: الفرص الضائعة رغم بعض التقدم في الربط الكهربائي مع تركيا، حيث وُقّع عقد في نيسان/أبريل لمضاعفة القدرة من 300 إلى 600 ميغاواط، إلا أن عام 2025 سجّل فشلاً بارزاً في ملف استيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران، تحت ضغوط أميركية مباشرة، ما ترك العراق في مواجهة صيف كهربائي صعب. في المقابل، أطلقت وزارة الكهرباء أول مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة في النهروان ببغداد، بطاقة 100 ميغاواط يومياً، في خطوة حملت بُعداً بيئياً واقتصادياً مهماً. السياسة المالية: انضباط قسري وضغوط سياسية واجهت المالية العامة تحديات حادة في إدارة الإنفاق والعجز، وسط اعتماد شبه مطلق على النفط. أطلقت وزارة المالية في شباط/فبراير أول إصدار من السندات الوطنية بقيمة تريليوني دينار، في محاولة لتوسيع أدوات التمويل المحلي. وفي آذار/مارس، أعلنت الوزارة نتائج اجتماعاتها مع صندوق النقد الدولي، حيث شدد الصندوق على ضرورة إصلاح القطاع المصرفي وتوسيع العلاقات مع البنوك المراسلة. لكن الضغوط السياسية برزت بوضوح في تموز/يوليو، مع تأخر صرف رواتب مقاتلي الحشد الشعبي، وسط روايات متضاربة عن أسباب فنية وأخرى تتعلق بضغوط خارجية. وفي كانون الأول/ديسمبر، اتخذت الحكومة قراراً قاسياً بإيقاف التعيينات والترفيعات والعلاوات لحين إقرار موازنة 2026، في مؤشر على ضيق الحيّز المالي. البنك المركزي: نهاية المنصة وذهب أكثر شهد عام 2025 تحوّلاً مهماً في السياسة النقدية، إذ أعلن البنك المركزي في كانون الثاني/يناير إيقاف المنصة الإلكترونية لبيع الدولار، مع الإبقاء على آلية المسافرين. وفي آب/أغسطس، رفع العراق احتياطياته من الذهب إلى 171.9 طناً، محافظاً على ترتيبه 29 عالمياً، في خطوة عُدّت دعامة إضافية للاستقرار النقدي. كما صادقت المحكمة الإدارية العليا في كانون الأول/ديسمبر على إلغاء قرار إلزام إيداع مبالغ شراء العقارات في المصارف، في انتصار قانوني للمواطنين. التجارة والزراعة: تحسن نسبي واستقرار غذائي سجّل القطاع الزراعي أحد أكثر الملفات إيجابية في 2025. فقد حقق العراق فائضاً في إنتاج الحنطة، وتجاوزت كميات التسويق خمسة ملايين طن للعام الثالث على التوالي. كما منعت وزارة الزراعة استيراد أكثر من 40 منتجاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ووسّعت صادرات التمور إلى آسيا وأوروبا. وفي جانب الاستثمار، مُنحت 252 إجازة زراعية، وأُقرت خطة زراعية موسمية تُعد من الأكبر حكومياً، فيما شارك العراق في معرض FAO العالمي “From Seeds to Foods”، في محاولة لربط منتجاته بسلاسل القيمة الدولية. التخطيط والإعمار مثّل التعداد السكاني لعام 2025، وفق توصيف المستشار المالي لرئيس الوزراء، الحدث الاقتصادي–التنموي الأهم خلال العام. إذ وفر قاعدة بيانات شاملة لإعادة هندسة السياسات العامة، وتوجيه الإنفاق بكفاءة أعلى. ويقول مظهر محمد صالح في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "التعداد لا يُختزل في كونه إجراءً إحصائيًا، بل يمثل أداة سيادية للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، تُمكّن الدولة من الانتقال من إدارة الموارد بمنطق التقدير إلى إدارتها بمنطق المعرفة". حيث بلغ عدد السكان حوالي 47 مليون نسمة في 2025، مع معدل نمو سكاني يقارب 1.99% وبين ان مؤشر (التنمية البشرية) للعراق على سبيل المثال وصل إلى 0.695، ما يعكس تحسنًا تدريجيًا في التعليم والصحة مقارنة بالسنوات السابقة . كما أنجزت وزارة الإعمار 199 مشروعاً في قطاعات الطرق والجسور والماء والمجاري والسكن. وقال المتحدث الرسمي للوزارة نبيل الصفار في حديث لوكالة شفق نيوز ان تم افتتاح بعض من المشاريع الخاصة بفك الاختناقات المرورية داخل العاصمة بغداد والتي تم افتتاحها خلال عام 2025 سواء كجزء من مشاريع او افتتاح بالكامل ومنها جسور ومجسرات في العاصمة بغداد. وعلى صعيد العلاقات الدولية، أعلن البنك الدولي تمويل العراق بـ930 مليون دولار، أبرزها لمشروع "طريق التنمية". كما أطلق رئيس الوزراء حزمة فرص استثمارية بقيمة 450 مليار دولار في قطاعات متعددة. في المقابل، صنفت فيتش العراق عند "B-"، مشيرة إلى اعتماده الكبير على النفط وضعف الحوكمة، مع تحذير من تأخر موازنة 2026، رغم إشادتها بصمود الاستقرار الداخلي. بالمجمل، عكس المشهد الإقتصادي العراقي في 2025 توازناً حذراً بين الاستقرار والإجهاد. فقد حقق البلد إنجازات ملموسة في النفط، والمشتقات، والزراعة، والتعداد السكاني، لكنه ظل مكبّلاً بتحديات الطاقة، وضيق الخيارات المالية، واستمرار الاعتماد على مورد واحد. ورغم المؤشرات الإيجابية المسجلة في بعض القطاعات، لم ينعكس الأداء الاقتصادي خلال 2025 بشكل ملموس على مستوى معيشة المواطنين، إذ استمرت ضغوط الأسعار والبطالة وضعف الخدمات، ما أبقى الفجوة قائمة بين التحسن الكلي في المؤشرات الاقتصادية، والشعور العام بالاستقرار الاقتصادي لدى الشارع.