شفق نيوز- ترجمة خاصة سلطت صحيفة " ذا ناشيونال " البريطانية، الضوء على ظاهرة الطبقة الوسطى المتزايدة في العراق والتي تمثل "التطور الأهم"، والمتمثلة أيضاً بجيل من الشباب الأكثر استقلالية، والذين لم يعهدوا عصور الديكتاتورية والاحتلال والإرهاب، الذين سيخلقون تغييراً سياسياً حاسماً في المستقبل. وبداية، قالت الصحيفة الصادرة في أبوظبي باللغة الإنجليزية، في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، إن هذه السنة كانت "لطيفة نسبيا" مع العراق، حيث ظل البلد آمنا ومستقرا، مما أتاح ظهور ثمار مشاريع البنية التحتية المهمة في وسط بغداد، مضيفا أن العديد من العراقيين لا يزالون يجدون صعوبة في الإحساس بالرضا بعد حوالي نصف قرن من الاستثمار المحدود، إلا أن التقدم يتحقق. وأشار التقرير إلى أن "جزءاً كبيراً من بغداد قد سقط في السابق في حالة من الإلهاء اليائس لدرجة أن العديد من العراقيين الأكبر سنا اعتبروا أن استردادها لم يعد ممكنا"، إلا أن المشهد الاجتماعي صار ينبض بالحياة أكثر الآن. وتابع التقرير أن "العراق هو أيضاً البلد الوحيد المرتبط بمحور المقاومة الإيراني والذي لم تهاجمه إسرائيل هذا العام"، مضيفا أن انتخابات برلمانية أخرى جاءت وذهبت بشكل طبيعي نسبيا أيضاً، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن أي حكومة جديدة سيتم تشكيلها ستشمل مروحة واسعة من القوى السياسية وستواصل بشكل عام سياسات الاستثمار ذاتها. ورأى التقرير أن النظام السياسي مستقر، إلا أنه لا يزال فاسداً ويعتمد بشكل كلي على المصادر النفطية، ولهذا، فأنه يحذر، من إنها "مجرد مسألة وقت قبل أن تتسبب أسعار النفط في أزمة اقتصادية كبيرة". إلا أن التقرير اعتبر أن "أهم تطور في العراق، لم يحدث هذا العام، ولكن ربما خلال العقد الماضي، وقد عبر من دون ان يلاحظه أحد بشكل عام"، موضحاً أن "ذلك يتمثل في الشريحة المتنامية من العراقيين الواثقين من أنفسهم والدنيويين والشباب والمستقلين سياسيا والطبقة الوسطى". وتابع التقرير أنه فيما يتعلق بالعراق، فإنه "لا توجد سابقة لذلك، وفي حال استمر هذا الاتجاه، فسيكون حاسما سياسيا في السنوات القادمة". وأوضح التقرير أن عدة عوامل ساهمت في هذه الظاهرة الجديدة، لافتا إلى أن العراقيين الذين هم اليوم في أوائل العشرينات من العمر والذين يعيشون في وسط البلد، لم يشهدوا الصراع العنيف أو الديكتاتورية أو الاحتلال أو الإرهاب"، مشيرا إلى انهم "عاشوا في سلام وبلا الخوف اليومي في الجزء الأكبر من حياتهم، وهي المرة الاولى التي يحدث فيها هذا في الذاكرة الحية للبلاد". وأشار التقرير إلى أن ذلك كان واضحا عندما تصاعد القصف الإسرائيلي للبنان في أيلول/سبتمبر 2024، حيث عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى بغداد، وجرى استقبالهم بالترحاب من قبل السكان ودولة كانت منظمة بما فيه الكفاية لرعاية الاحتياجات اليومية على الرغم من التدفق المفاجئ والكبير، لافتا إلى أنه بالنسبة للشباب العراقيين، فان هذا لم يمر من دون ان يلاحظه أحد، حيث لم يعد بلدهم يهرب منه الجميع، وإنما أصبح بالنسبة للكثيرين، ملاذا للناس. وذكر التقرير أنه خلال معظم سنوات العقد الماضي، كان الاقتصاد العراقي مستقرا نسبيا، على الأقل بالنسبة للعراقيين من الطبقة الوسطى، وكان المال يتدفق بشكل متزايد إلى خزائن الدولة التي غذت الاستهلاك وعدد قليل من الصناعات الناشئة. وتابع قائلا إنه قبل عقدين من الزمن، كان العراقيون من الطبقة الدنيا في المنطقة، واضطروا إلى اللجوء للمنفى. وتابع قائلا إنه بالنسبة للطبقة الوسطى حاليا، فان الوضع مختلف كثيرا موضحا أن العراقيين يفتحون اعمالهم التجارية الخاصة، والتي يجذب الكثير منها الآن العمال الأجانب من كل أنحاء المنطقة ومن ابعد من ذلك، وهم يتشاركون العمل إلى جانب الموظفين الأجانب. وأضاف التقرير أن العراق أصبح الآن أكثر تكاملا داخليا ودوليا، مما كان عليه في العام 2003، عندما ترك البعثيون البلد اكثر انقساما من أي وقت مضى، ولم يعرف الشباب العراقيون شيئا عن بلدهم بخلاف عدد قليل من الجيوب الصغيرة، حيث كان هناك العديد من الانقسامات لدرجة انه كانت هناك حدود داخلية فعلية لا يستطيع الناس عبورها، مثلا ما بين اقليم كوردستان وبقية البلد. وأكمل قائلا إن المجتمع العراقي اليوم، لم يكن بمثل هذا التكامل من قبل فيما يتعلق بالتبادل المهني والسفر الداخلي، وصار بإمكان مواطن بغدادي مثلا أن يسمي بلدته الصغيرة المفضلة أو البحيرة الجبلية في الأجزاء النائية من إقليم كوردستان، بينما يسافر آخرون في كل أنحاء البلد لحضور مؤتمرات الخبراء أو الأحداث الرياضية. وتناول التقرير أيضا تنامي ظاهرة سفر الشباب العراقيين إلى الخارج وخصوصا الخليج وشرق آسيا وأوروبا، كما جرى افتتاح أول جامعة أميركية في العراق في العام 2006 في محافظة السليمانية، وهو مكان مستقر ومرحب بعيداً عن العاصمة، بينما صار هناك اليوم حرم جامعي أميركي ضخم ومتنام في بغداد، إلى جانب كليات إدارة الأعمال باللغة الإنجليزية، مشيراً إلى أنه صار لدى العراقيين إمكانية أكبر للوصول إلى المعرفة والتطورات الدولية مما كانوا يحلمون به قبل بضع سنوات. وتابع التقرير أن هذه الطبقة الجديدة من العراقيين ليست منحازة سياسيا، في وقت تدار جميع القوى السياسية من قبل عائلات ومصالح ضيقة، في حين أن النظرة العالمية للشباب العراقي جديدة وكبيرة جدا، مبيناً أن "هناك نظرة إلى الانتخابات بأنها متعلقة بالسياسيين الذين يخدمون أنفسهم، وأن الميل الأكبر هو الميل نحو عدم المشاركة فيها". ورجح التقرير أن تكون الأزمة الاقتصادية الكبرى قريبة، موضحا أنه في حال تسببت التطورات الدولية المهمة، بما في ذلك، حدوث اتفاق سلام في أوكرانيا، في انخفاض أسعار النفط بشكل كبير، فإن الحكومة العراقية لن تتمكن من دفع الرواتب الأساسية، مما قد يسبب اضطرابا شعبيا كبيرا.