بمناسبة الحديث عن العلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين هذه الأيام، أحب أن أسرد القصة التالية، التي تعبّر عن وحدة الحال، وحسن العلاقة بين الطرفين، منذ قديم الزمان: انتصر العثمانيون على المماليك في معركة مرج دابق عام 1516، وأصبحت منطقة بلاد الشام بما فيها الأردن، جزءً من الدولة العثمانية، فتحولت البلقاء إلى حكم العشائر. وبعد فتوحات السلطان سليم الأول (1512-1520) ببضع سنوات، شرعت قبيلة العدوان وقبيلة المهداوية، وبعض القبائل الأخرى، بالخروج من نجد والزحف شمالا، ووقع ذلك في النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي. وحدث أن أحب الأمير المهداوي " جودة " ( مريم/ ماريا )، ابنة خوري قرية الفحيص عطا الله ديّات. فعقد النيّة على الزواج منها مهما كلفه الأمر. وكان ذلك أثناء زيارة له قام بها إلى الفحيص، ورأى النساء والفتيات أثناء ذهابهن لجلب الماء من العين، حيث استحسن هذه الفتاة وأحبها. وعندما سأل من تكون تلك الفتاة، أُخبر أنها ابنة الخوري عطا الله، وعلى الفور ذهب الى الخوري وطلبها منه ليتزوجها. وعبثا حاول الخوري اقناع المهداوي بالموانع الشرعية، التي لا تسمح بمثل هذا الزواج لفارق الدين، اصّر الأمير المهداوي على طلبه. غير أن الخوري تظاهر بالموافقة، وطلب إمهاله لتجهيز العروس، حتى يتدبر الأمر مع أهل القرية. واتفقا على يوم معين ليأتي مع حاشيته لاستلام العروس. وبعد مغادرة الأمير للمنطقة، تداول أهل القرية الأمر، واعتبروه إهانة لهم واستهزاء بدينهم، وهم يعلمون عدم قدرتهم على مواجهة الأمير. ورأوا أنه لا بد لهم من حليف قوي يعينهم في رفضهم لهذا الزواج. فتوجهوا للتحالف مع العدوان، الذين كان قد نشب خلاف بينهم وبين المهداويه في وقت سابق، إذ لم يجدوا حليفا خيرا منهم. وعلى الفور أرسلوا لهم رسولا (عفانة)، يحمل رسالة يعرضون بها عليهم الخوّة والنجدة. فوجد العدوان بهذا العرض، فرصة لا تعوض للأخذ بالثأر من المهداوي. وهكذا اتفقوا مع الفحيصية، على خطة تمكنهم من تحقيق النصر على المهداوي. وتتلخص الخطة بدعوة المهداوي إلى وليمة غداء، واصطحاب العروس معهم عند العودة. وحينها يتم فك أحزمة سروج الخيل بعد ترجل الفرسان عنها، لكي يسقط الفارس عن فرسه عند محاولة امتطائها ومقاتلة العدوان. وعند تنفيذ الخطة في اليوم المحدد، اشتبك العدوان والمهداوية بالقتال في منطقة الفحيص، حاول فرسان المهداوية ركوب خيلهم والقتال، فسقطوا على الأرض، وهجم عليهم العدوان بقوة، وقتلوا أميرهم ومن معه جميعا، وهرب أحدهم واسمه صقر، ولكن العدوان كانوا له بالمرصاد فقتلوه أيضا، وسمي المكان الذي قتل فيه (الصقيرية). وبعد نجاح هذه المعركة، اقتسم الطرفان أراضي المهداوية مناصفة، في العقد الأخير من القرن السابع عشر الميلادي تقريبا. وما زال ذلك العهد والعلاقات الأخوية الطيبة بين العدوان والفحيصية سارية المفعول حتى يومنا هذا. وهكذا سلمت ابنة الخوري ( ماريا ) من الزواج القسري، الذي كان سيفرضه الأمير جودة المهداوي عليها . . ! .