عد تنازلي لـ"موعد حساس" في قلب الخضراء

شفق نيوز- بغداد بعد ثلاثة أيام فقط، يتجه المشهد السياسي العراقي إلى واحدة من أكثر المحطات حساسية، والموعد عقد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، في ظل سباق محموم بين القوى السياسية لحسم رئاسة البرلمان، باعتبارها بوابة انطلاق باقي الاستحقاقات الدستورية، المتمثلة بانتخاب رئيس الجمهورية وصولاً إلى تكليف رئيس الوزراء. ورغم وضوح التوقيتات الدستورية وتشديد مجلس القضاء الأعلى على عدم جواز التأجيل أو التمديد، إلا أن الخلافات السياسية، لا سيما داخل البيت السني، ما زالت تلقي بظلالها على إمكانية الحسم قبل موعد الجلسة، الأمر الذي يضع البرلمان المقبل أمام اختبار مبكر قد يحدد شكل المرحلة السياسية القادمة. ملامح الحسم وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي حيدر البرزنجي أن انعقاد الجلسة في موعدها مرتبط بشكل مباشر بالتوصل إلى اتفاق سياسي على هيئة رئاسة البرلمان. ويقول البرزنجي، لوكالة شفق نيوز إن الجلسة ستعقد إذا ما تم الاتفاق على رئيس البرلمان ونائبيه، مشيراً إلى أن منصب النائب الثاني حسم لشاخوان عبد الله، فيما يتوقع حسم النائب الأول خلال الأيام القليلة المقبلة، قبل جلسة يوم الاثنين المقبل الموافق 29 كانون الأول/ديسمبر 2025. ويضيف البرزنجي، أن العقدة الأساسية تبقى في منصب رئيس مجلس النواب، موضحاً أنه في حال توصلت القوى السياسية السنية إلى اتفاق، فستعقد الجلسة بشكل طبيعي، أما في حال الفشل فسيتم الدخول بمرشحين اثنين، ما سيؤدي إلى انقسام الإطار التنسيقي - الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في البلاد - وبقية القوى السياسية بين مؤيد ومعارض. وبرأي البرزنجي، فإن ملامح الحسم باتت أوضح من ملامح عدمه، لكنه يحذر من أن عدم الاتفاق على المسميات قد يؤدي إلى فقدان النصاب داخل الجلسة، رغم ضرورة عقد جلسة أولية لأداء اليمين الدستورية وتنظيم الإجراءات. أما فيما يخص رئاسة الجمهورية، فيتوقع ترحيل الحسم في حال عدم اتفاق الحزبين الكورديين، كما حصل في عام 2018، مع دخول الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني بمرشحين اثنين، مشيراً إلى أن أغلب القوى السياسية تميل لمرشح الاتحاد الوطني حفاظاً على التوازن العام في توزيع المناصب. خلافات متداخلة من جانبه، يؤكد المحلل السياسي، ياسين عزيز، أن البلاد تقترب من موعد الجلسة الأولى في ظل استمرار الخلافات وعدم وجود أي اتفاق نهائي على اختيار رئيس البرلمان، وهو أول الاستحقاقات الدستورية وأكثرها إلحاحاً. ويذكر عزيز، لوكالة شفق نيوز إن استمرار الخلافات داخل المكون السني قد يدفع نحو الدخول إلى الجلسة بمرشحين اثنين، ليتم الحسم عبر تصويت النواب، وهو سيناريو من شأنه إحراج الإطار التنسيقي المنقسم أصلاً في علاقاته مع الأطراف السنية. ويرى أن هذا المشهد قد يتكرر داخل المكون الكوردي أيضاً، إذا لم يتفق الحزبان الرئيسيان على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية قبل نهاية المدة الدستورية المحددة، وإن كانت هناك، بحسب عزيز، بارقة أمل في التوجه نحو التوافق قبل ذلك الموعد. من جهته، يجد مظفر الكرخي، القيادي في تحالف العزم برئاسة مثنى السامرائي، أن المجلس السياسي الوطني - الجامع للقوى السنية الفائزة بالانتخابات الأخيرة - عقد عدة جلسات واتفق على أن تكون القرارات بالتوافق الكامل، ومنها الذهاب بمرشحين اثنين لرئاسة البرلمان. ويبين الكرخي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، حتى الجلسة السابقة، رفض هذا التوجه وأصر على الدخول بمرشح واحد هو شخصه، خلافاً لرأي قيادات المجلس، معتبراً أن فرض الإرادات بهذه الطريقة أمر غير مقبول، رغم أحقية جميع النواب السنة في الترشح وفق العرف السياسي. ويؤكد الكرخي، أن الإصرار على تعدد المرشحين يهدف إلى تجنب الانسداد السياسي داخل الجلسة الأولى وعدم تعطيل المسار الدستوري. الإطار الدستوري ومن الناحية القانونية، يوضح الخبير الدستوري عباس العقابي أن الجلسة الأولى ستُعقد يوم الاثنين 29 كانون الأول/ديسمبر 2025، برئاسة أكبر الأعضاء سناً، حيث يؤدي النواب اليمين الدستورية، ثم يُفتح باب الترشيح لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه. ويشير العقابي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن المادة (55) من الدستور نصت على انتخاب هيئة رئاسة البرلمان في الجلسة الأولى، إلا أن هذه المدد تعد تنظيمية، وعدم الالتزام بها يشكل خرقاً دستورياً كبيراً وإشكالية في التطبيق الدستوري، قد تبقي البلاد في حالة حكومة تصريف أعمال إلى حين حسم رئاسة البرلمان ثم رئاسة الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء. يذكر أن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان أكد السبت الماضي، أن الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، يجب أن تُحسم فيها تسمية رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز دستورياً أو قانونياً تأجيلها أو تمديدها. وكان رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، حدد الاثنين 29 كانون الأول/ديسمبر الجاري، موعداً لعقد الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي. ووفقاً للتوازن السياسي الذي نشأ بعد عام 2003، أصبح توزيع المناصب السيادية في العراق متأثراً بالمحاصصة الطائفية والسياسية؛ حيث يتفق العرف السياسي على أن منصب رئيس الوزراء يكون من حصة المكون الشيعي، فيما يُخصص منصب رئاسة الجمهورية للمكون الكوردي، بينما يتبوأ المكون السني رئاسة مجلس النواب.