معلم تحت التهديد

نشرت صفحة بريد القراء بصحيفة البلاد الرسالة الواردة لها من أحد المتابعين ونصها الآتي: في قلب كل معلم مخلص شعلة لا تنطفئ، توقدها رسالة سامية وشرف عظيم، هو شرف بناء الإنسان وغرس القيم والمعرفة في العقول الناشئة، ومع عظمة هذه الرسالة يعيش المعلم اليوم تحت التهديد، تهديد من نوع خاص، لا يخيفه، بل يوجهه، إنه تهديد الضمير المهني والإسلامي الذي يبقيه يقظا، مستقيما، لا ينحرف عن الحق، ولا يتهاون في أداء الأمانة. المعلم اليوم تحت تهديد جميل، تهديد يجعل خطاه محسوبة، وكلماته مسؤولة، وسلوكياته مثالا يحتذى به، وهو لا يخاف من الناس، بل من تقصيره أمام الله تبارك وتعالى، وأمام من وثقوا به ليصنع فارقا في حياة أبنائهم، فهذا التهديد الإيجابي هو الذي يحرك فيه المسؤولية لا الخوف، والحرص لا التردد. وفي ظل التغيرات السريعة التي تمر بها مجتمعاتنا في الوقت الراهن تبقى ثوابت المعلم المسلم راسخة ثابتة، تنبع من إيمانه بأن التعليم عبادة، والمعلم الحقيقي هو من يرى أن كل حصة دراسية هي عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، وكل معلومة ينقلها هي أثر سيبقى في حياة شخصٍ ما، إنه ليس موظف فحسب، بل صاحب رسالة، إن فرط فيها خسر نفسه، وخذل أمته. والمعلم الواعي بأمانته يدرك أن التزامه المهني والأخلاقي ليس أمرا اختياريا، بل هو تكليف فرضه عليه ضميره، وأكدته المواثيق المهنية، وثبته وحث عليه ديننا الحنيف، قال ربنا تبارك وتعالى: {إن الله يأمركم أنْ تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58]، وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...“، وهو في موقعه ومكانه راعٍ للعلم، ومؤتمن على عقول الناشئة، وهذه الأمانة في عينها ليست فقط كتابا أو منهجا، بل مستقبل أجيال، وعقول يجب أن تصقل، وقلوب تربى. هذا المعلم لا يفرط في حق الطالب حين يحتاج للحزم، ولا يقصر حين يتطلب الموقف التفاني؛ لأنه يعلم أن كل تهاون اليوم هو ضعف في جيل الغد، ضميره المهني والإسلامي يحثه على أن يكون قدوة في العدل، في الإخلاص لمهنته؛ فيحرص على أن يخرج من بين يديه إنسانا متكاملا، يفهم الحياة، لا بحفظ الدروس فقط؛ فاهتمام المعلم لا يقف عند جدار الفصل فقط، بل يمتد إلى بناء الشخصية، وتوجيه الفكر، وغرس الانضباط والمسؤولية؛ فتجد المعلم يحرص على العدل، لا يجامل، لا يهمل، بل يربي بحكمة، ويعلم بحب، ويؤدب بلين؛ فيجمع بين الرحمة والحزم، والعلم والتوجيه.  نعم المعلم يعيش تحت التهديد، لكنه تهديد الضمير اليقظ، والإيمان الحي، الذي يصنع المعلم الملهم الذي لا يساوم على مهنته، ولا يجعل التعليم وظيفة، بل رسالة نبيلة، الذي لا يرضى إلا أن يكون صادقا، مخلصا، مؤثرا، وراعيا لمصلحة طلابه في كل الجوانب، وما أحلى هذا النوع من التهديد حين يكون دافعا للثبات والقوة، وسراجا ينير طريقة نحو القمم، وطوق نجاة لجيل ينتظر منه القدوة والنور. مساهمة من: متعب خالد ترحب “البلاد” برسائل ومساهمات القراء، وتنشر منها ما لا يتعارض مع قوانين النشر، مع الاحتفاظ بحق تنقيح الرسائل واختصارها. يرجى توجيه الرسائل إلى البريد الإلكتروني (rashed.ghayeb@albiladpress.com) متضمنة الاسم ورقم الهاتف.