في غفلة العرب… إسرائيل تعترف بـ«أرض الصومال» وتفتح بوابة البحر الأحمر #عاجل

كتب- زياد فرحان المجالي لم يكن إعلان إسرائيل اعترافها بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة حدثًا دبلوماسيًا عابرًا، ولا زلّة لسان سياسية، ولا حتى مغامرة غير محسوبة. كان خطوة متعمدة، دقيقة التوقيت، جرت في لحظة فراغ عربي وإقليمي واضح، واستثمرت غياب المبادرة أكثر مما استثمرت قوة الموقف. فإسرائيل لم تتجه إلى القرن الإفريقي لأنها اكتشفت فجأة حق تقرير المصير، بل لأنها رأت مساحة مفتوحة، بلا كلفة عربية حقيقية، وبلا ردع سياسي مسبق، وبلا مشروع مضاد قادر على إغلاق الطريق. الاعتراف بـ«أرض الصومال» لم يكن موجّهًا إلى الصومال بقدر ما كان موجّهًا إلى البحر الأحمر، إلى باب المندب، إلى خطوط التجارة العالمية، وإلى ساحات الاشتباك غير المباشر مع إيران وحلفائها. إسرائيل تدرك أن معركتها في غزة ليست معركة محلية، وأن المواجهة مع الحوثيين في البحر الأحمر ليست حادثًا طارئًا، بل فصل من صراع أوسع على الممرات البحرية. من هنا جاءت الخطوة، ومن هنا يجب أن تُقرأ. «أرض الصومال» ليست دولة معترفًا بها دوليًا، لكنها كيان مستقر نسبيًا، يدير شؤونه منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويملك موقعًا جغرافيًا بالغ الحساسية. هذا وحده كافٍ لإسرائيل كي ترى فيه فرصة. فالكيانات غير المعترف بها دوليًا كانت دائمًا ساحات اختبار للقوى الطامحة إلى توسيع نفوذها من دون المرور عبر النظام الدولي التقليدي. الاعتراف هنا لا يهدف إلى إدخال الكيان إلى الأمم المتحدة، بل إلى تحويله إلى ورقة تفاوض، وأداة نفوذ، وقاعدة محتملة في لحظة إقليمية مضطربة. ما يجعل الخطوة أخطر هو أنها مرّت في غفلة عربية حقيقية. ليس لأن العرب لم يسمعوا بها، بل لأنهم لم يكونوا فاعلين في المشهد أصلًا. القرن الإفريقي تُرك لسنوات طويلة كساحة هامشية، رغم أنه يجاور واحدة من أخطر نقاط الاختناق في العالم. البحر الأحمر ظل يُدار بمنطق ردّ الفعل، لا بمنطق المبادرة. وحين قررت إسرائيل أن تدخل، دخلت من الباب المفتوح، لا من باب الصدام. الإدانة التي صدرت عن مصر وتركيا والصومال كانت متوقعة ومفهومة، لكنها جاءت بعد الفعل لا قبله. وهي إدانة سياسية مهمة، لكنها تكشف في الوقت ذاته أن العرب يتحركون غالبًا عند وقوع الحدث، لا عند تشكّله. إسرائيل لم تتفاجأ بردود الفعل، لكنها راهنت على أنها لن تتحول إلى خطوات عملية تُفشل المسار، وهذا الرهان حتى الآن يبدو في محله. الأهم من الاعتراف نفسه هو الرسالة التي أرادت إسرائيل إرسالها. هذه الرسالة تقول بوضوح إن إسرائيل قادرة على خلق وقائع سياسية جديدة خارج الإجماع الدولي، وإنها مستعدة لاستخدام الاعترافات كأدوات أمنية لا كالتزامات قانونية. الاعتراف بـ«أرض الصومال» يشبه إلى حد بعيد اعترافات سابقة استخدمتها إسرائيل لتغيير قواعد اللعبة، لا لإغلاق الملفات. هنا يظهر دور الولايات المتحدة، وتحديدًا موقف الرئيس دونالد ترامب. إسرائيل حاولت أن تُلبس الخطوة ثوب «اتفاقيات أبراهام»، في محاولة لجرّ واشنطن إلى المسار نفسه. لكنها تدرك في قرارة نفسها أن ترامب، رغم تحالفه الوثيق معها، لن يُسارع إلى الاعتراف بـ«أرض الصومال». ليس حبًا في الصومال، ولا التزامًا صارمًا بالقانون الدولي، بل لأن الحسابات الأميركية أكثر تعقيدًا. ترامب ينظر إلى القرن الإفريقي بعين المصالح لا بعين الرمزية. الولايات المتحدة تملك قواعد عسكرية في جيبوتي، وتقاتل تنظيم «الشباب» في الصومال، وتخشى أن يؤدي الاعتراف بـ«أرض الصومال» إلى إرباك شراكات قائمة، وإلى فتح جبهة سياسية جديدة مع دول إفريقية وعربية في وقت لا ترى فيه واشنطن حاجة ملحّة لذلك. لهذا جاء موقف ترامب فاترًا، بل ساخرًا أحيانًا، حين تساءل علنًا: «هل يعرف أحد ما هي أرض الصومال؟». هذا الاستهتار الظاهري لا يعني غياب الاهتمام، بل يعني تأجيل القرار. ترامب يدرك أن الورقة موجودة، لكنه لا يريد استخدامها الآن. الأولوية بالنسبة له هي غزة، والملف الإيراني، وترتيب التوازنات الكبرى. «أرض الصومال» بالنسبة لواشنطن ورقة قابلة للاستخدام لاحقًا، لا التزامًا يجب تثبيته اليوم. إسرائيل تعرف هذا جيدًا. ولذلك لم تنتظر الضوء الأخضر الأميركي. أرادت أن تسبق الجميع، أن تخلق واقعًا، وأن تضع واشنطن أمام أمر واقع قابل للتوظيف لاحقًا. الاعتراف الإسرائيلي لا يُلزِم الولايات المتحدة بشيء، لكنه يفتح بابًا، ويكسر حاجزًا، ويُظهر أن الخطوة ممكنة وليست محرّمة. في المقابل، العرب بدوا وكأنهم خارج الحسابات الفعلية. لا مشروع عربي متكامل للبحر الأحمر، ولا رؤية موحدة للقرن الإفريقي، ولا حضور اقتصادي أو أمني قادر على موازنة التحركات الإسرائيلية والإماراتية والأميركية. هذا الفراغ هو ما سمح لإسرائيل بالتحرك، وهو ما سيُغريها بالمزيد إذا استمر. الأخطر في الخطوة الإسرائيلية أنها قد تتحول إلى سابقة. فإذا قُبل الاعتراف بـ«أرض الصومال» كأمر واقع، ولو بشكل غير رسمي، فإن منطق التعامل مع الكيانات المنفصلة سيصبح أكثر مرونة، وأكثر قابلية للتوظيف السياسي. هذا يفتح الباب أمام تفكيكات جديدة في الإقليم، ويمنح القوى الكبرى أدوات إضافية لإعادة رسم الخرائط دون حروب مباشرة. في النهاية، لم تعترف إسرائيل بـ«أرض الصومال» لأنها قوية فقط، بل لأنها واجهت فراغًا. لم تفعل ذلك لأنها تملك الشرعية، بل لأنها لم تجد من يملأ الساحة. وترامب، الذي لن يعترف اليوم، قد يعترف غدًا إذا تغيّرت الحسابات، أو إذا تحولت الورقة إلى حاجة استراتيجية ملحّة. أما العرب، فإن استمرار التعامل مع هذه التحولات بوصفها أخبارًا لا مشاريع، سيجعلهم دائمًا في موقع المتلقي، لا الفاعل. الاعتراف بـ«أرض الصومال» ليس نهاية القصة، بل بدايتها. وما لم يُقرأ الحدث في سياقه الجيوسياسي الأوسع، فإن القادم قد يكون أكثر تعقيدًا، وأقل قابلية للاحتواء. هذه ليست قصة كيان صغير يبحث عن اعتراف، بل قصة منطقة تُدار من خارجها، في لحظة صمت، وفي غفلة لم تعد تُغتفر. .