تواصل هيئة فنون الطهي فعاليات مهرجان المأكولات الشعبية في مشروع الرامس بوسط العوامية في محافظة القطيف، مانحةً الزوار تجربة ثقافية وتراثية غنية تمتد حتى الثلاثين من ديسمبر الجاري، بهدف ترسيخ الهوية الغذائية للمملكة وتقديمها للعالم كواجهة حضارية تعكس التنوع الجغرافي والبيئي العريق.
ويستقبل المهرجان عشرات الزوار يومياً من الرابعة عصراً وحتى الحادية عشرة مساءً، ليتحول إلى منصة تفاعلية حية تدمج بين متعة التذوق والمعرفة التاريخية، بمشاركة نخبة من الطهاة السعوديين والأكاديميين المتخصصين الذين يقدمون موروث الأجداد بلمسات احترافية حديثة تواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وأكد مدير مشروع الرامس، محمد التركي، أن احتضان المشروع لهذا المحفل الوطني يعكس هويته كمنصة حضارية استراتيجية، لا تكتفي بكونها وجهة سياحية، بل شريكاً فاعلاً في صياغة المشهد الثقافي بالمنطقة الشرقية، مؤكداً أن النجاح في استقطاب وتنظيم فعاليات بهذا الحجم يترجم جاهزية البنية التحتية للمشروع وقدرته على تحقيق مستهدفات جودة الحياة وتعزيز المكتسبات الوطنية.
الأكلات الشعبية السعودية
ولفت التركي إلى أن تحول ساحات المشروع إلى ملتقى لثقافات المملكة الخمس يجسد الرسالة الجوهرية للرامس كمنارة للإشعاع الثقافي والاجتماعي، موضحاً أننا ملتزمون بتوفير بيئة نموذجية تحتفي بالهوية السعودية، وتقدم للزوار تجربة نوعية تليق بمكانة المملكة وتاريخها العريق.
وأكد الشيف عون المختار أن الفعالية نجحت في خلق حالة من التناغم الفريد بتواجد كافة مناطق المملكة، الغربية والشرقية والوسطى، في مكان واحد، مما أتاح للزوار عيش تجربة حسية متكاملة تبرز التنوع الثري للأكلات الشعبية السعودية وجودة تقديمها في ”أكشاك“ صممت لتعكس هوية كل منطقة.
واستعرضت الطاهية نورة العريفي، ممثلة المنطقة الغربية، مشاركتها التي وصفتها بفرصة لإثبات الكفاءة السعودية، حيث قدمت لزوار الشرقية نكهات أصيلة قد يتذوقونها لأول مرة، مثل ”المنتو“ المطهو على البخار والمحشو باللحم والبصل، وشوربة الحب، والمطبق، والبليلة، مؤكدة أن الأطباق نُقلت بكل حب وشغف واحترافية.
أدوات الطهي القديمة
وخصصت إدارة المهرجان ركناً تعليمياً وتاريخياً للأطفال بإشراف ماهر الغانم، الذي يصحب النشء في رحلة عبر الزمن لاستكشاف تطور ”طاقة الطهي“ بدءاً من العصر الحجري واستخدام الشرار، مروراً بالكبريت والجمر، وصولاً إلى الغاز، مع عرض نماذج لأدوات الطهي القديمة وتطور وسائل النقل.
وعبر الشيف ريان الفهيد، من أكاديمية زادك لفنون الطهي، عن انبهاره بالتبادل الثقافي الذي أحدثه المهرجان، مشيراً إلى اكتشافه الشخصي لمذاقات جديدة كخبز ”الميفا“ الجنوبي، وأكلة ”البكيلة“ الشمالية التي تذوقها لأول مرة، واصفاً الأطباق بأنها قادمة من ”الروح“ ومقدمة بأيادٍ سعودية مبدعة.
وتتكامل تجربة الضيافة مع ركن القهوة السعودية الذي يشرف عليه ”بدر أحمد“ وفريق ضيافة المزاج، حيث يقدمون خمسة أنواع مميزة للقهوة تمثل المناطق الخمس، الوسطى والشرقية والجنوبية والغربية والشمالية، لتتميز كل دلة بمقاديرها الخاصة ومذاقها الذي يعكس كرم المنطقة التي تنتمي إليها.
هيئة فنون الطهي
ووصف الزائر عبد الواحد النعيمي الفعالية بأنها ”ملتقى للتعارف قبل أن تكون ملتقى للأكل“، مشيداً بالأجواء العائلية التي تمنح طاقة إيجابية للكبار والصغار، ومعتبراً أن الحدث يمثل محركاً تنشيطياً للحركة الثقافية والسياحية، رغم التحديات المناخية التي قد تواجه الزوار في بعض الأوقات.
ونجح المهرجان في تحويل ساحات مشروع الرامس إلى ملتقى ثقافي مفتوح، حيث لا يكتفي الزوار بتناول الطعام، بل يخوضون نقاشات حول أصول الأطباق ومسمياتها التي تختلف من منطقة لأخرى، مما يعزز اللحمة الوطنية ويعرف الأجيال الجديدة بكنوز مطبخهم المحلي.
وتسعى هيئة فنون الطهي من خلال هذه الفعالية إلى توثيق الموروث الغذائي وحفظه من الاندثار، مع دعم الأسر المنتجة والمواهب الشابة وفتح أبواب رزق جديدة تعتمد على استثمار الثقافة المحلية كمنتج سياحي مستدام.