«الشيطنة» و«التلميع».. !

ككل‭ ‬العلوم،‭ ‬يحفل‭ ‬علما‭ ‬السياسة‭ ‬والإعلام‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المصطلحات،‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬ظواهر،‭ ‬أو‭ ‬أحداثاً‭ ‬معينة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬إيجابية،‭ ‬أو‭ ‬سلبية‭. ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬مصطلحا‭ ‬‮«‬الشيطنة‮»‬‭ ‬و«التلميع‮»‬،‭ ‬اللذان‭ ‬يشترك‭ ‬علما‭ ‬السياسة‭ ‬والإعلام‭ ‬فيهما،‭ ‬إيجاباً‭ ‬وسلباً‭. ‬‮«‬الشيطنة‮»‬‭ (‬Satanize‭) ‬تعني‭ ‬إنزال‭ ‬اللعنة‭ ‬والغضب‭ ‬على‭ ‬شخص،‭ ‬أو‭ ‬ظاهرة‭ ‬معينة،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الوصف‭ ‬صادقاً‭ (‬علم‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬كاذباً‭ (‬افتراء‭). ‬أما‭ ‬‮«‬التلميع‮»‬‭ (‬Praising‭) ‬فيعني‭ ‬إسباغ‭ ‬المديح،‭ ‬والتبجيل‭ ‬على‭ ‬شخص،‭ ‬أو‭ ‬ظاهرة‭ ‬معينة،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الاستحسان،‭ ‬أو‭ ‬المديح‭ ‬صحيحاً‭ (‬علم‭) ‬ومستحقاً،‭ ‬أو‭ ‬كاذباً‭ (‬افتراء‭) ‬ومدعى‭.‬ويستخدم‭ ‬مصطلح‭ ‬الشيطنة‭ ‬كأداة‭ ‬سياسية‭ - ‬إعلامية،‭ ‬لتسفيه‭ ‬الموصوف،‭ ‬صدقاً،‭ ‬أو‭ ‬كذباً‭. ‬فالسياسة‭ ‬هنا‭ ‬توجه‭ ‬الإعلام‭ ‬لشيطنة‭ ‬شخص،‭ ‬أو‭ ‬ظاهرة‭ ‬ما‭ ‬معينة‭. ‬وكذلك‭ ‬التلميع،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬توجه‭ ‬السياسة‭ ‬الإعلام‭ ‬به‭. ‬فتشن‭ ‬حملة‭ ‬إعلامية‭ ‬بالشيطنة،‭ ‬أو‭ ‬التلميع‭. ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يصدقها‭ ‬البعض،‭ ‬بسبب‭ ‬تكرارها‭. ‬فتصبح‭ ‬كأنها‭ ‬حقائق،‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليها،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬مجرد‭ ‬كذب‭ ‬وادعاء‭ ‬وافتراء‭.‬إن‭ ‬‮«‬السياسة‮»‬‭ ‬هي‭: ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬طرف‭ ‬لتحقيقها‭ ‬تجاه‭ ‬طرف‭ ‬آخر،‭ ‬والوسائل‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭. ‬وفي‭ ‬ممارسة‭ ‬السياسة‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬نشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب،‭ ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬ذلك‭ ‬التلميع‭ ‬والشيطنة،‭ ‬إن‭ ‬كانتا‭ ‬صحيحتين‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬صحيحتين‭.‬‭***‬وتعتبر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬استخداماً‭ ‬لمصطلحي‭ ‬الشيطنة‭ ‬والتلميع‭ ‬في‭ ‬خطابها‭ ‬السياسي‭. ‬ورغم‭ ‬وجود‭ ‬إعلام‭ ‬أمريكي‭ ‬مستقل،‭ ‬لكن‭ ‬صوته‭ ‬لا‭ ‬يعلو‭ ‬غالباً‭ ‬على‭ ‬الأصوات‭ ‬الرسمية‭. ‬والأمثلة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تمارسه‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬واضحة‭. ‬فمثلاً،‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬يبرز‭ ‬سعي‭ ‬واشنطن‭ ‬لتحسين‭ ‬صورة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والتشدد‭ ‬في‭ ‬انتقاد‭ ‬معارضيها‭ ‬أو‭ ‬مستنكري‭ ‬ممارساتها،‭ ‬وهي‭ ‬تصنيفات‭ ‬تخضع‭ ‬غالباً‭ ‬للاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬الموضوعية‭.‬وعالمياً،‭ ‬تنعكس‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬السلبية‭ ‬لخصومها،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬إبراز‭ ‬الجوانب‭ ‬الإيجابية‭ ‬للدول‭ ‬الداعمة‭ ‬لسياساتها‭.‬والواقع،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬تستخدم‭ ‬الشيطنة‭ ‬والتلميع،‭ ‬سواء‭ ‬بحق‭ ‬أو‭ ‬غيره‭. ‬وهذا‭ ‬يقودنا‭ ‬لتلخيص‭ ‬علاقة‭ ‬عمليتي‭ ‬الشيطنة‭ ‬والتلميع‭ ‬بالدبلوماسية‭.‬‭***‬‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬وسائل‮»‬‭ ‬عديدة‭... ‬يمكن‭ ‬استخدامها،‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للدولة‭. ‬وأهم‭ ‬‮«‬الوسائل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ -‬عادةً‭- ‬لتحقيق‭ ‬‮«‬أهداف‮»‬‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للدولة‭ -‬أية‭ ‬دولة‭- ‬هي‭ (‬بالترتيب‭ ‬التنازلي‭): ‬الدبلوماسية،‭ ‬والإعلام،‭ ‬والأدوات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والأداة‭ ‬العسكرية‭ (‬القوات‭ ‬المسلحة‭). ‬ونوجز‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬بعض‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الوسائل‮»‬‭: ‬‭- ‬الدبلوماسية‭: ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬الاتصال‭ (‬السلمي‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مسؤولي‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬نقل‭ ‬وجهات‭ ‬النظر،‭ ‬والتفاوض؛‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لتلك‭ ‬الدول‭. ‬وهي‭ ‬تعتبر‭ ‬الآن‭ ‬أهم‭ ‬الوسائل،‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وأكثرها‭ ‬ضرورة‭ ‬وقبولاً،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬لفظة‭ ‬‮«‬دبلوماسية‮»‬‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬مرادفة‭ ‬لكلمة‭ ‬‮«‬سياسة‮»‬‭.. ‬والدبلوماسية‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬غالباً‭.. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬لجوء‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬الوسائل‭ ‬الأخرى،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأداة‭ ‬العسكرية‭ (‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬المسلحة‭).‬‭***‬‭- ‬الأداة‭ ‬الإعلامية‭: ‬وتعني‭ ‬مجموع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬تملكها‭ ‬الدولة،‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬ومدى‭ ‬فاعليتها‭ ‬وكفاءتها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬السياسية‭ ‬للدولة،‭ ‬وأيضاً‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬تلك‭ ‬الوسائل‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬وتنفيذ‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭. ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬هي‭ ‬المراقب‭ ‬الأول‭ ‬للوقائع‭ ‬والأحداث‭.. ‬والمحلل‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬وتفسير‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭. ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الحكومات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تكون‭ ‬معظم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬قناة‭ ‬رئيسية،‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬واتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الدولة‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬‮«‬الوسيلة‭ ‬النفسية‮»‬‭ ‬أيضاً‭.. ‬لأنها‭ ‬تخاطب‭ ‬‮«‬عقول‭ ‬وعواطف‮»‬‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭.. ‬هادفة‭ ‬لإقناعهم‭ ‬بوجهة‭ ‬أو‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬معينة‭. ‬وتتضمن‭ ‬الوسيلة‭ ‬الإعلامية‭ ‬عمليتي‭ ‬الشيطنة‭ ‬والتلميع‭.‬‭*** ‬‭-‬الأدوات‭ ‬الاقتصادية‭: ‬أي‭ ‬استخدام‭ ‬وتوجيه‭ ‬بعض‭ ‬الموارد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المختلفة‭ ‬للدول‭ (‬سلباً‭ ‬وإيجاباً‭)‬،‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬صور‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭: ‬المساعدات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتقنية‭ ‬والمالية‭ ‬المتنوعة،‭ ‬وكذلك‭ ‬المقاطعة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والهبات،‭ ‬والحظر‭ ‬والحصار‭ ‬الاقتصادي‭... ‬إلخ‭.‬‭-‬الأداة‭ ‬العسكرية‭: ‬وتعني‭ ‬لجوء‭ ‬حكومة‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ (‬أو‭ ‬التلويح‭ ‬باستخدام‭) ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬برية‭ ‬وبحرية‭ ‬وجوية‭ ‬مسلحة‭... ‬لتحقيق‭ ‬بعض‭ ‬أهداف‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬تلجأ‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ (‬الحرب‭) ‬عندما‭ ‬تستنفد‭ ‬بقية‭ ‬الوسائل،‭ ‬ويثبت‭ ‬فشلها،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬فاعليتها،‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬ترمي‭ ‬إليه‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أهداف‭. ‬فالدول‭ ‬تلجأ‭ ‬عادة‭ ‬إلى‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬فالإعلام،‭ ‬فالأدوات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وأخيراً‭ ‬الحرب‭. ‬وإن‭ ‬مدى‭ ‬فعالية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قوتها،‭ ‬ومصداقيتها،‭ ‬وجدواها،‭ ‬وتأثيرها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استعمالها‭ ‬الصحيح‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬العليا‭ ‬لشعب‭ ‬الدولة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬حماية‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭ ‬والاهتمامات،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭.‬‭***‬وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬عمليتي‭ ‬الشيطنة‭ ‬والتلميع‭ ‬تستخدمان‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأفراد،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬سعي‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحه،‭ ‬وما‭ ‬يلاقيه‭ ‬من‭ ‬الآخرين،‭ ‬من‭ ‬دعم،‭ ‬أو‭ ‬محاربة‭. ‬وهذا‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬صور،‭ ‬منها‭ ‬الفرد‭ ‬الواحد،‭ ‬والدولة‭.‬