لم يكن صعود الأمير محمد بن سلمان إلى واجهة القرار العالمي حدثاً عادياً في سياق تداول السلطة، ولا محطة بروتوكولية ضمن تعاقب الأسماء والمناصب، بل كان تحوّلاً نوعياً في فلسفة القيادة ذاتها.فقد انتقل المشهد، منذ لحظة بروزه، من منطق الانتظار والتكيّف، إلى منطق المبادرة وصناعة الوقائع، وهنا تحديداً بدأ ما يمكن توصيفه بـ«الارتباك الإيجابي» لدى عواصم القرار في العالم.هذا الارتباك لم ينشأ من صخب الخطاب، ولا من حدّة المواقف، بل من وضوح غير مسبوق، فالعالم اعتاد، طويلاً، على منطقة تُدار بالأزمات، وتُقرأ عبر وسطاء، وتُختزل في ملفات أمنية أو صراعات مزمنة، غير أن القيادة السعودية الجديدة، بقيادة الأمير محمد بن سلمان أعادت تعريف المعادلة: دولة تمتلك رؤية، وتعلنها، وتحوّلها إلى برامج، ثم إلى أرقام، ثم إلى واقع ملموس.لقد أربك هذا التحوّل كثيراً من القادة؛ لأنهم وجدوا أنفسهم أمام شريك لا يطلب الاعتراف.. بل يفرضه بالفعل، شريك لا يتوسّل الزمن.. بل يستثمره، شريك لا يختبئ خلف التاريخ.. بل يعيد قراءته ليصنع به مستقبلاً مختلفاً.ومن هنا، لم يعد السؤال المطروح في العواصم الكبرى: «ماذا تريد السعودية؟» بل «كيف استطاعت أن تغيّر قواعد اللعبة بهذه السرعة؟».الارتباك الإيجابي الذي أحدثه الأمير محمد بن سلمان كان ارتباكاً في السلوك السياسي العالمي، فحين تتقدّم دولة برؤية شاملة تربط الاقتصاد بالتنمية، والتنمية بالاستقرار، والاستقرار بالسيادة، فإنها تُجبر الآخرين على إعادة ترتيب أوراقهم.لم تعد اللغة القديمة كافية، ولم يعد خطاب الوصاية مقبولاً، ولم يعد التعامل مع المنطقة بعقلية الملفات المجزأة صالحاً لفهم واقع جديد يتشكّل بثقة وهدوء.اللافت أن هذا الارتباك لم يكن صدامياً ولا استفزازياً.. ولم يكن تحدّياً مباشراً بقدر ما كان كشفاً لهشاشة القوالب القديمة، فحين يرى القادة مشاريع تُبنى، وإصلاحات تُنفّذ، ومجتمعاً يُعاد تمكينه، واقتصاداً يُعاد تنويعه، فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين لمراجعة تصوراتهم، لا عن السعودية وحدها، بل عن مفاهيم القيادة والتنمية في عالم سريع التحوّل.لقد غيّر الأمير محمد بن سلمان صورة القيادة القادمة من الشرق الأوسط، لم تعد القيادة مرتبطة بإدارة الأزمات فقط.. بل بصناعة الفرص، ولم تعد الشرعية تُستمد من الشعارات أو الخطابات العاطفية.. بل من الإنجاز، والمساءلة، والقدرة على تحويل الرؤية إلى واقع.هذا التحوّل تحديداً هو ما أربك كثيراً من القادة الذين اعتادوا أن يقيسوا الدول بمدى حاجتها، لا بمدى قدرتها.ومن مظاهر هذا الارتباك الإيجابي، أن لغة العالم تغيّرت، بدأ الحديث عن الاستثمار بعد أن كان الحديث محصوراً في المساعدات، بدأ التركيز على الشراكات بعد عقود من التعامل الفوقي، وبدأ الاعتراف بأن الاستقرار الحقيقي لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل، عبر قيادة تعرف ما تريد، وتملك الشجاعة لتنفيذه.الأمير محمد بن سلمان لم يسعَ إلى إرباك العالم، لكنه فرض عليه أن يفكّر بطريقة مختلفة.. فرض عليه أن يتعامل مع السعودية بصفتها دولةً تعرف موقعها وتفهم وزنها، وتدير مصالحها بوعي سيادي كامل.ولهذا، لم تعد السعودية ملفاً في أدراج السياسة الدولية، بل الرقم الأصعب المؤثر في معادلاتها الكبرى، من الاقتصاد إلى الطاقة، ومن الأمن إلى الجغرافيا السياسية.إن هذا الارتباك الإيجابي هو في جوهره علامة صحّة، فهو ارتباك ناتج عن الانتقال من المألوف إلى غير المسبوق، ومن التوقّع إلى المفاجأة المدروسة، ومن إدارة الواقع إلى صناعته.وحين تُربك العالم بهذا الشكل، فإنك لا تزعزع استقراره، بل تدفعه إلى إعادة التوازن على أسس أكثر واقعية وعدلاً.هكذا يمكن فهم ظاهرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في السياق الدولي، قائد لم يغيّر موقع بلاده فحسب.. بل ساهم في تغيير طريقة تفكير العالم تجاه المنطقة، وتجاه مفهوم القيادة الحديثة نفسه وذلك في جوهره، وهذا أعظم أشكال التأثير.