أعلنت النيابة العامة في المملكة في تغريدة لها على منصة (X) قبل أيام أن النسيج الوطني واللحمة الوطنية واجب وطني، وشددت على أن إثارة النعرات القبلية محصورة وتعد مساساً بالنظام العام.مثل هذه الرسائل من قبل جهة مهمة ضابطة للسلم الاجتماعي لها مكانة خاصة يجب التركيز عليها للعامة؛ لما لها من أهمية خاصة في قضية الهوية والولاء الذي يفترض ألا يتعدد، وأن يكون لكيان واحد يرقى للقدسية، ويجب معاقبة من يخالف ذلك بشدة وحزم، القبيلة كمكون اجتماعي لها مكانتها ووضعها في المجتمعات العربية، ولكن هذا لا يعني أن تهمش الآخرين وتنظر بدونية لهم في قضايا ومفاهيم واهية لا قيمة لها في عصر الدولة الحديثة؛ التي ترعى وتنظر لمواطنيها على أساس متساوٍ، بعيداً عن الولاء للوطن والهويات المتعددة التي قد تشكل ثقافة مقبولة عند البعض وترقى إلى ولاء أعمى في النهاية، ويكون الوطن ضحية لمثل هذه الثقافات الماضوية، وهذا لا يعني الاعتزاز بقيم وأخلاق وتراث القبيلة كوحدة اجتماعية، وليست بديلاً للوطن والنظرة بازدراء للآخرين وتمييز، وهي غير موجودة على أرض الواقع، الدين الإسلامي ينهى عن كل أشكال التعصب ولا يفرق بين المسلمين على أساس اللون والعرق، فالتقوى هي الأساس، وهناك حديث نبوي شريف للرسول صلى الله عليه وسلم: «.. دعوها فإنها منتنة». وهو يحذّر من العصبية القبلية وما تؤدي إليه من ضغائن وفتنة بين الناس.في فترات سابقة كانت هناك بعض المحطات التلفزيونية أساسها الانتماء القبلي، ولكن الرقابة عليها قد خففت من انتشار رسائل بعضها الضيق وانتهت أغلبها إلى الإغلاق، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة في مجتمعاتنا أعطت بعض ضعاف النفوس نوافذ ووسائط للتفاخر بالأنساب والقبائل والتقليل من مكانة الآخرين وإشغال المجتمع بقضايا أقل ما يقال عنها تافهة ومضرة اجتماعياً، مفهوم الإنسان المنتج هو من يعتمد على ذاته بالعلم والمعرفة والثقافة الإنسانية المنفتحة على كل الثقافات والحضارات بعيداً عن حصر القيم الرفيعة على فئة معينة وكأن الشرائح الاجتماعية الأخرى لا ترتقي لتلك المكانة الساميّة، وهذا خطر كبير في حياة الإنسان والمجتمع والشواهد كثيرة من حولنا، ولا يفهم هذا أنني ضد القبيلة الحديثة الحضارية التي تدفع بأبنائها وبناتها إلى العلم والمعرفة والعمل بكافة أشكالها بعيداً عن تحريم هذه المهنة أو تلك وأنها لا تليق بهم، أفرح وأنا أشاهد وأقرأ حفلات تقيمها بعض القبائل لأبنائها المتفوقين في دراساتهم أو المتخرجين من جامعات مرموقة في تخصصات دقيقة ينفعون بها الوطن ككل، مثل هذه الفعاليات هي ما يجب أن يركز عليه ونشر ثقافة الإنتاجية والعمل وغرس القيم الوطنية في التعليم منذ الصغر.