كتب حسام عايش - اخذا بالاعتبار ان كل انظمة الضمان الاجتماعي العالمية تعاني من ضغوط متزايدة نتيجة ارتفاع متوسط العمر المتوقع، وتزايد اعداد المتقاعدين، مقابل تباطؤ نمو اعداد العاملين، وهو ما توصلت اليه الدراسة الاكتوارية الاخيرة، التي اظهرت ان الضمان دخل مرحلة اكتوارية ولا اقول تامينية حرجة، ما يستدعي اتخاذ اجراءات شاملة مدروسة وغير تقليدية. اولا، رفع سن التقاعد تدريجيا، وربطه بمتوسط العمر المتوقع، فكل سنة اضافية في سن التقاعد تقلص عدد سنوات صرف الرواتب، وتزيد سنوات الاشتراك- كل سنة اضافية في سن التقاعد تقلل فترة صرف الراتب بمقدار سنة واحدة لكل متقاعد مستقبلي- ما يحسن الميزان الاكتواري دون رفع فوري للاشتراكات، ويمكن تطبيق ذلك على مدى 15 الى 20 سنة برفع سن التقاعد سنة واحدة كل اربع او خمس سنوات، على ان تكون البداية في العام 2030، اخذا بالاعتبار ان متوسط العمر المتوقع عند بدءعمل مؤسسة الضمان كان 58 عاما للرجال و61.3 عاما للنساء فيما هو نحو 74 عاما.اليوم ثانيا، اعادة ضبط التقاعد المبكر، بحالات محددة مرتبطة بالمهن الخطرة، او الاوضاع الصحية، مع اعادة تسعير كلفته الحقيقية اكتواريا عبر تخفيضات على الراتب المبكر، تعكس العبء الفعلي على الضمان، لتقليل النزيف المالي طويل الأمد. ثالثا، تغريم مؤسسات القطاعين العام والخاص التي تدفع او تحول العاملين لديها للتقاعد المبكر رغم علمها بالكلف التامينية الباهظة لذلك- كل سنة تقاعد مبكر قد ترفع كلفة الراتب التقاعدي بين 6% و8% على مدار فترة الاستحقاق - ما يستدعي وضع نظام يجازي من يقوم بذلك من القطاع الخاص برفع الضريبة عليه لسداد رواتب من قاعدهم، و تحويل مخصصات موجهة لمؤسسات القطاع العام التي قاعدت موظفيها لانفاقها على رواتبهم التقاعدية. رابعا، توسيع قاعدة المشتركين، من خلال ملاحقة المتهربين اجتماعيا، ودمج العاملين في الاقتصاد غير الرسمي والاقتصاد الرقمي والعمل الحر في الضمان الاجتماعي، عبر صيغ اشتراك مرنة، وربط تدريجي، مع حوافز مشجعة مثل مساهمة جزئية من الحكومة، او تخفيضات مؤقتة للاشتراكات في السنوات الاولى، ما يرفع الايرادات دون تحميل المشتركين الحاليين اعباء اضافية كبيرة. خامسا، تحسين هيكلية سوق العمل، عبر سياسات اقتصادية تدفع لرفع نسبة المشاركة الاقتصادية العمة وللاناث، وإيجاد فرص عمل منتجة باجور مرتفعة وليس فقط زيادة عدد الوظائف، فالاجورالمنخفضة تعني اشتراكات منخفضة حتى مع ارتفاع عدد المشتركين، وبالتالي فان المشاركة الاقتصادية، وتحسين الانتاجية، وربط نمو الاجور بالنمو الاقتصادي، تشكل مصدرا طبيعيا لزيادة الايرادات التامينية. سادسا، مراجعة هيكل الاشتراكات بطريقة تصاعدية عادلة، بحيث تتحمل الدخول المرتفعة نسبة اكبر من ا الاقتطاع من الراتب، خصوصا في ظل تمركز الاجور والدخل لدى شريحة صغيرة من العاملين، اذ انه من غير المعقول ان يتساوى المركز المالي والتاميني لاصحاب الدخول العالية مع أصحاب الدخول المنخفضة لجهة نسب الاقتطاع من الراتب، تماما كما هو الحال مع ضريبة المبيعات التي تحمل الغني والفقير ذات العبء. سابعا، رفع كفاءة استثمارات صندوق الضمان،عبر تنويع المحافظ الاستثمارية، والانتقال التدريجي من الادوات التقليدية منخفضة العائد الى استثمارات طويلة الاجل ذات عائد مرتفع، وبما يسهم في سد فجوة التمويل بعد عام 2030. ثامنا، تعزيز الشفافية، وبناء الثقة مع المشتركين الجدد، من خلال تقديم نماذج واضحة لقيمة الراتب التقاعدي المستقبلي عبر اختبارات ضغط لذلك الراتب، تظهر اثر التضخم على القوة الشرائية له بعد 5 او 10 او 20 او 30 عاما من الاشتراك، للحد من التهرب من الاشتراك في الضمان الى الالتزام طويل الامد. تاسعا، ربط سياسات الضمان بالسياسات المالية العامة، بحيث لا يبقى الضمان معزولا عن ادوات الدولة الاقتصادية، فالدعم الحكومي المشروط والمؤقت خلال فترات الضغط الاكتواري قد يكون اقل كلفة بكثير من ترك النظام يصل الى مرحلة العجز الهيكلي. مواجهة سيناريوهات 2030 و2038، لا تتحقق عبر حل واحد، او قرار سريع، بل عبر مسار اصلاح تدريجي يجمع بين رفع سن التقاعد، وضبط المبكر، وتوسيع قاعدة المشتركين، وتحسين الاجور، وتعظيم العائد الاستثماري، وبناء الثقة والشفافية، وليس فقط رفع الاشتراكات او تخفيض المنافع، وبدون ذلك فان اي تاخير في اتخاذ القرارات سيجعل كلفة الاصلاح اعلى، وبالذات على الاجيال الشابة التي ستتحمل وزرها بالكامل . .