ماهي صوماليلاند؟

أرض الصومال، أو ما يُعرف دوليًا باسم “صوماليلاند”، هي إقليم يقع شمال جمهورية الصومال، أعلن انفصاله من طرف واحد عام 1991 عقب انهيار الدولة المركزية في مقديشو، ومنذ ذلك الحين يدير شؤونه ذاتيًا دون اعتراف دولي واسع. ومع إعلان إسرائيل الاعتراف بما يُسمّى إقليم “أرض الصومال”، عاد الإقليم إلى صدارة الجدل الإقليمي والدولي، حيث أدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية هذه الخطوة، واعتبرها تجاوزًا خطيرًا لمبادئ القانون الدولي، وانتهاكًا صريحا لسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها. I. لكن ما هي “أرض الصومال”؟ وكيف نشأت؟ ولماذا تُعد اليوم إحدى أكثر بؤر القرن الإفريقي حساسية؟ إقليم بين الواقع السياسي والاعتراف الغائب أرض الصومال، التي تطلق على نفسها رسميًا “جمهورية صوماليلاند”، تقع في شمال غرب الصومال، وتُقدَّم في بعض الأدبيات السياسية بوصفها واحة استقرار مقارنة بمناطق أخرى من البلاد، في حين لا تزال الحكومات والمنظمات الدولية تعتبرها جزءًا لا يتجزأ من جمهورية الصومال. موقع استراتيجي يتجاوز الجغرافيا يتكوّن الإقليم من ست مناطق إدارية، عاصمته هرجيسا، بينما يُعد ميناء بربرة على خليج عدن شريانه الاقتصادي الأهم. ويملك الإقليم ساحلًا يمتد لنحو 740 كيلومترًا على واحد من أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، عند نقطة التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهندي. هذا الموقع منح “أرض الصومال” أهمية جيوسياسية متزايدة، وجعل ميناء بربرة محور تنافس إقليمي ودولي، خاصة في ظل الصراع على النفوذ في القرن الإفريقي. من محمية بريطانية إلى مشروع انفصال تاريخيًا، كان الإقليم جزءًا من المحمية البريطانية في الصومال الشمالي حتى عام 1960، بينما خضع جنوب الصومال للاستعمار الإيطالي، ما أوجد مسارين سياسيين وإداريين مختلفين. في 26 يونيو 1960 نال الشمال استقلاله، ثم اتحد بعد أيام مع الجنوب لتشكيل جمهورية الصومال. غير أن هذا الاتحاد لم يصمد طويلًا. فبعد سقوط نظام الرئيس الصومالي محمد سياد بري وانهيار الدولة المركزية، أعلنت سلطات الشمال في 18 مايو 1991 إعادة الانفصال، معتبرة ذلك “استعادة لاستقلال سابق”. وفي عام 2001، صوّت سكان الإقليم في استفتاء دستوري بنسبة 97.1 % لصالح الانفصال النهائي عن الصومال. وضع قانوني معلق رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على إعلان الانفصال، لا تزال “أرض الصومال” تفتقر إلى الاعتراف الدولي كدولة مستقلة. فالأمم المتحدة والدول الكبرى تعتبرها كيانًا ذا حكم ذاتي داخل الصومال، رغم امتلاكها مؤسسات دولة شبه مكتملة. إلا أن هذا الواقع بدأ يشهد تصدعات سياسية، مع إعلان إسرائيل الاعتراف بـ”جمهورية صوماليلاند”، في خطوة قوبلت برفض واسع من الصومال، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، باعتبارها تهديدًا للاستقرار الإقليمي. مؤسسات دولة… بلا شرعية دولية داخليًا، تمتلك أرض الصومال نظامًا جمهوريًا برئيس منتخب، وبرلمانا من غرفتين: مجلس نواب ومجلس شيوخ، يضم كل منهما 82 عضوًا. وتُجرى فيها انتخابات دورية نسبيًا، ما جعلها تُقدَّم كنموذج مختلف عن حالة الفوضى السياسية في أجزاء أخرى من الصومال. اللغات الرسمية ثلاث: الصومالية والعربية والإنجليزية، بينما العملة المتداولة هي الشلن. السكان والبنية العشائرية يقدَّر عدد سكان الإقليم بين 5.7 و6.2 مليون نسمة، ويلعب الانتماء العشائري دورًا محوريًا في السياسة والمجتمع، حيث تبرز ثلاث عشائر رئيسية: إسحاق (الأكبر والأكثر نفوذًا سياسيًا)، دير في الغرب، دارود في الشرق. اقتصاد محدود… وميناء واعد يعتمد اقتصاد الإقليم على الزراعة، والتحويلات المالية من الخارج، والتجارة عبر ميناء بربرة، الذي أصبح بوابة استثمارية جاذبة، خصوصًا لإثيوبيا غير الساحلية. وفي هذا السياق، فجّرت مذكرة التفاهم الموقعة عام 2024 بين أديس أبابا وسلطات الإقليم – لمنح إثيوبيا منفذًا بحريًا طويل الأمد – موجة اعتراضات من مقديشو والجامعة العربية. قضية الفلسطينيين والبعد الدولي زاد الجدل حول الإقليم مع تقارير إعلامية ربطت بين احتمالات اعتراف دولي أوسع بـ”أرض الصومال” ومقترحات سياسية مثيرة، من بينها الحديث عن توطين أو تهجير فلسطينيين، وهي روايات قوبلت برفض رسمي صومالي قاطع. إلى أين يتجه الإقليم؟ أرض الصومال هي إقليم يحكم نفسه فعليًا منذ عام 1991، ويملك مؤسسات سياسية مستقرة نسبيًا، لكنه يظل عالقًا بين واقع داخلي مستقل، وشرعية دولية مفقودة. أما الاعتراف الإسرائيلي الأخير، فقد أعاد فتح ملف الإقليم على مصراعيه، ليس فقط كسؤال قانوني، بل كقضية تمس توازنات القرن الإفريقي والأمن الإقليمي العربي والدولي.