كتب موسى الصبيحي - صدر في العام 2024 النظام الخاص بالشمول الجزئي بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للشباب الأردنيين دون سن الثلاثين وهو النظام المشمّى (نظام تخفيض اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للعاملين في منشآت القطاع الخاص لسنة 2024) ما شكّل انحرافاً جزئياً عن مسار الحماية الاجتماعية. النظام المذكور يستند لأحكام (المادة 59/ج/1) من قانون الضمان التي تم إضافتها في القانون المعدّل رقم (11) لسنة 2023 بما يسمح لمنشآت القطاع الخاص تخفيض نسبة الاشتراكات المترتبة على المنشأة عن تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة التي تدفعها عن المؤمّن عليهم الأردنيين العاملين لديها الذين لم يكملوا سن الثلاثين ولم يتم شمولهم بالضمان سابقاً على أن لا تتجاوز نسبة التخفيض (50%) من الاشتراكات. وهو ما يعني تخفيض الاشتراكات المترتبة على المنشأة عن هذا التأمين من (11%) إلى (5.5%) من أجر المؤمّن عليه في هذه الحالة. ما يُعدّ أكثر التعديلات انتهاكاً لحقوق العمال الشباب وإضراراً بهم وبمستوى الحماية الاجتماعية. ولعل من المناسب اليوم ونحن نتحدث عن ضرورة تعزيز الإيرادات التأمينية لمؤسسة الضمان بما يسهم في تعزيز استدامة مركزها المالي، أن نفكّر جديّاً بإلغاء النص المذكور الذي يتعارض مع هدف توسيع قاعدة المشتركين وتعزيز الحماية الاجتماعية لهم، وكذلك تعزيز المركز المالي للضمان. واود هنا أيضاً التذكير باهم الإنعكاسات السلبية للنص المشار إليه وآثاره على المؤمّن عليهم ومؤسسة الضمان: ١) لن تُحتَسب مدة خدمة المؤمّن عليه في هذه الحالة كاملة كفترة اشتراك لغايات تقاعد الشيخوخة والمبكر، وإنما سيخسر ثلث مدة الخدمة تقريباً، فإذا كان مشمولاً بتأمين الشيخوخة الجزئي لمدة ( 9 ) سنوات مثلاً، فإن ما يدخل منها ضمن اشتراكاته الخاضعة للتقاعد هو ( 6 ) سنوات تقريباً. وبذلك يكون قد خسر ثلاث سنوات من خدمته كاشتراك بالتأمين. ٢) يؤدي هذا الحرمان للشباب الأردنيين دون سن الثلاثين "دون وجه حق" إلى عزوفهم عن الضمان بشكل عام وليس تحفييزهم، مما يشجّع على التهرب التأميني بالاتفاق ما بين العاملين ضمن هذه الفئة وأصحاب عملهم بسبب قناعة العامل بعدم جدوى اشتراكه وشعوره بالغبن والتمييز السلبي تجاهه. ٣) يُشكّل هذا التعديل تمييزاً سلبياً في الحقوق بين المؤمّن عليهم، فبينما تحظى فئات منهم بالحصول على حقها كاملاً بالشمول الكلي بتأمين الشيخوخة، تُحرَم فئات أخرى من هذا الحق، مما يقودنا للقول بأن هذا التمييز يتنافى مع المبدأ الدستوري بأن الأردنيين أمام القانون سواء وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات..! ٤) يُسهم بتركُّز البطالة بين الفئات العمرية الأخرى التي تزيد أعمارها على (30) سنة، حيث سيكون من مصلحة أصحاب العمل البحث عن عاملين جُدد دون سن الثلاثين لتوفير نسبة كبيرة من كُلف إشراكهم بالضمان. ٥) يسهم هذا بالضغط على وظائف القطاع العام بشقّيه المدني والعسكري ذلك أن العاملين في هذا القطاع ومن كل الفئات العمرية مشمولون بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة بشكل كامل لا جزئي، وبالتالي فإن هذا التعديل يتعارض مع كل سياسات الدولة واستراتيجياتها الاقتصادية المحفّزة للأردنيين على العمل في كافة الفرص المتاحة في القطاع الخاص. ٦) يفترض النص أن الشاب دون سن الثلاثين سيبقى منخرطاً في سوق العمل بالقطاع الخاص دون انقطاع إلى لحظة اكماله سن 60 للذكور و سن 55 للإناث للحصول على راتب التقاعد، فيما الواقع يشير إلى مرور العاملين في القطاع الخاص بفترات تعطل وانقطاع وانتهاء خدمة على فترات متعددة وكثيرة أحياناً، ولذا فإن حرمان العامل دون سن الثلاثين من ثلث مدة خدمته المحسوبة في التقاعد يؤدي إلى التأثير سلباً على مقدار تقاعده أولاً ثم على استكماله للمدة المطلوبة بسبب تعطله اللاحق عن العمل لفترات متقطعة وقد تكون طويلة أحياناً. ٧) يشكّل تمييزاً سلبياً ضد المؤمّن عليهم الأردنيين، فبينما يتم شمول العامل غير الأردني بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة كاملاً يتم شمول العامل الأردني بهذا التأمين بشكل جزئي. أي أن العامل غير الأردني يحظى بحماية اجتماعية أفضل من العامل الأردني. ما يعدّ تمييزاً غير مقبول ولا مبرّر. ٨) وحيث لن تُحتَسب كامل مدة خدمة العامل المؤمّن عليه بالضمان، فينبغي الانتباه إلى أن ذلك يرتّب له حقّاً في جزء من تعويض نهاية الخدمة الملزَم بها صاحب العمل وفقاً لأحكام قانون العمل، كون الإعفاء منها مشروط بالشمول بالضمان كفترة تقاعد كاملة. ٩) تخفيض الإيرادات التأمينية لمؤسسة الضمان كنتيجة لهذا التخفيض في الاشتراكات، مما يؤدي إلى تقليل الفوائض التأمينية السنوية للمؤسسة، ويُضعِف تحويلاتها إلى صندوق استثمار أموال الضمان، مما يؤدي بالضرورة إلى تقليل حجم العوائد الاستثمارية والتأثير سلباً على نمو موجودات المؤسسة. وبالتالي إضعاف قدرة المركز المالي للضمان على مواجهة تحديات النفقات التقاعدية المتزايدة ونقاط تعادل الدراسات الإكتوارية. ١٠) يُؤدي الشمول الجزئي بهذا التأمين في بعض الحالات إلى حرمان المؤمّن عليه وأسرته في حالة الوفاة الطبيعية أو العجز الطبيعي من الحق بالحصول على راتب تقاعد الوفاة أو العجز بسبب تخفيض المدة المحسوبة كاشتراك بالضمان مما يؤثر على المدة المطلوبة كحد أدنى لاستحقاق راتب تقاعد الوفاة الطبيعية أو راتب اعتلال العجز الطبيعي. الا في حال تم الأخذ بما قدّمناه سابقاً من مقترح باعتبار التخفيض والاشتراك الجزئ بهذا التأمين كأنْ لم يكن في حالتي وفاة المؤمّن عليه أو عجزه. ١١) يُحمّل المؤمّن عليه المشمول بالتأمين الجزئي عبئاً مالياً إضافياً في حال رغب بسد ثغرة الشمول الجزئي من خلال الاشتراك الاختياري التكميلي الذي يتحمّل كلفته وحده. ١٢) يُعرّض المؤمّن عليه المشمول بالتأمين الجزئي لظلم آخر، حيث أن تخفيض الاشتراكات منصبّ على النسبة المترتبة على صاحب العمل (المنشأة) فقط بينما النسبة المترتبة على المؤمن عليه نفسه والتي يقتطعها صاحب العمل من أجره عن هذا التأمين والبالغة (6.5%) من الأجر بقيت كما هي ولم يطالها أي تخفيض بالرغم من أن المؤمن عليه هو المُتأثر بالتخفيض.! ١٣) يخلق مراكز قانونية متفاوتة كثيراً ما بين مشتركين جدد ومشتركين قدامى، مما ينتج عنه تمايز واضح في الحقوق التأمينية، وهو ما يتنافى مع العدالة في الحقوق. .