يمثل المدافع الإيفواري الشاب جويلا دويه، الجيل الجديد من «المحاربين الهادئين» الذين يشقون طريقهم في ملاعب القارة الإفريقية بخطى ثابتة وعزيمة لا تتزعزع. وعلى هامش بطولة كأس أمم إفريقيا 2025 في المغرب، يبرز اسم دويه ليس فقط كلاعب واعد، بل كقصة إنسانية تجسد مفهوم العودة إلى الجذور في أرقى صورها. تمثل مشاركة دويه في هذه النسخة تحديدًا لحظة فارقة في مسيرته، فهي ليست مجرد اختبار فني في واحدة من أصعب البطولات القارية، بل هي رحلة استكشافية لمشاعر ظلت حبيسة الوجدان منذ الطفولة، إن ارتداء قميص «الأفيال» بالنسبة له يتجاوز كونه قرارًا مهنيًا، فهو التزام معنوي تجاه إرث عائلي وهوية إفريقية كانت تتردد أصداؤها في منزله قبل أن يراها في الملاعب. في مدينة مراكش، وبينما تتجه أنظار العالم نحو النجوم الكبار، يسير دويه بتواضع، مدعومًا ببيئة احترافية في معسكر المنتخب الإيفواري وفرت له الحماية النفسية والتقدير الفني اللازمين للنمو. وفي حديثه المليء بالدلالات لموقع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم «كاف»، يصف دويه شعوره عند ارتداء القميص البرتقالي بأنه «أمر حميمي»، فكل مباراة دولية هي بمثابة رسالة شكر لجذوره وتذكير دائم بالسبب الذي جعله يختار كرة القدم كمسار للحياة. لم تكن عملية انصهاره داخل منتخب «الأفيال» مجرد مصادفة، بل كانت ثمرة لمناخ صحي وفره قادة المنتخب واللاعبون ذوو الخبرة، الذين احتضنوا موهبته وسمحوا له بالتعبير عن نفسه بعيدًا عن الضغوط الخانقة التي قد تقتل المواهب الشابة في بداياتها. دويه يمضي قدمًا، ليس بحثًا عن المجد الشخصي الزائل، بل للمساهمة في كتابة فصل جديد من طموحات كوت ديفوار القارية، مؤكدًا أن المدافع الصلب هو من يحمي عرين فريقه بقلبه قبل قدمه، ومن يتعلم من كل دقيقة يقضيها فوق العشب الأخضر في قلب المغرب. ولد دويه في 17 أكتوبر 2002 ويشغل مركز الظهير الأيمن في ستراسبورج الفرنسي، علمًا أنه على الرغم من ولادته في فرنسا، لكنه اختار تمثيل منتخب كوت ديفوار على الصعيد الدولي. بدأت رحلته دويه الاحترافية عبر نادي رين الذي انضم إليه وهو في الثامنة من عمره، حيث كان جزءًا من جيل واعد يضم أسماء مثل إدواردو كامافينجا وبراندون سوبي وجورجينيو روتر. بدأ دويه مسيرته التنافسية مع الفريق الرديف للنادي في دوري الدرجة الثالثة الوطني خلال موسم 2020ـ 2021، ثم وقع المدافع الشاب أول عقد احترافي له في أواخر عام 2021 لكن سرعان ما توقفت مسيرته بسبب إصابة خطيرة وضعته على حافة الهاوية، ولم يتمكن من العودة للمشاركة مع الفريق الرديف إلا في مايو 2022، حيث أسهم في قيادته نحو الصعود لدرجة أعلى بعد تصدر مجموعة منطقة بريتاني بصعوبة. شهدت المباريات التجريبية في صيف عام 2022 الظهور الأول لدويه مع الفريق الأول، حيث تشارك أرض الملعب مع شقيقه ديزيري في مواجهة نادي كان، وبعد ظهوره لعدة مرات على مقاعد البدلاء في منافسات الدوري تحت قيادة المدرب برونو جينيسيو، مدد دويه عقده مع النادي في مطلع عام 2023 حتى عام 2025. وسجل دويه ظهوره الأول مع رين في فبراير 2023 خلال الفوز بثلاثية نظيفة على ستراسبورج، حيث دخل بديلًا في الدقائق الأخيرة لشقيقه الأصغر، الذي كان قد أصبح للتو أصغر لاعب في تاريخ الدوري الفرنسي ينجح في صناعة وتسجيل هدف في مباراة واحدة. وفي يوليو 2024، انتقل دويه رسميًا إلى ستراسبورج بعقد يمتد حتى عام 2029، وظهر للمرة الأولى في المباراة الافتتاحية للدوري أمام مونبلييه والتي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، قبل أن ينجح في التاسع من نوفمبر في تسجيل أول هدف في مسيرته الاحترافية خلال المواجهة التي خسرها فريقه أمام موناكو بثلاثة أهداف مقابل هدف. وعلى الصعيد الدولي، ولد دويه في فرنسا لأب إيفواري وأم فرنسية، وهو يحمل جنسية مزدوجة وقد حصل على الجنسية الإيفوارية بموجب النسب، حيث تم استدعاؤه لمنتخب «الأفيال» للشباب تحت 23 عامًا لخوض مجموعة من المباريات في مارس 2023، ثم سجل ظهوره الأول مع المنتخب الوطني الأول في مارس 2024 في مباراة تجريبية أمام بنين. وبعد ثلاثة أيام فقط من ذلك الظهور، نجح في تسجيل هدفه الدولي الأول، والذي كان هدف الفوز في الدقيقة 84 خلال مباراة تجريبية انتهت بالفوز على أوروجواي بهدفين مقابل هدف واحد. وفيما يتعلق بحياته الشخصية، فإن شقيقه الأصغر ديزيري، وأبناء عمومته يان جبوهو ومارك أوليفييه دويه، هم أيضًا لاعبو كرة قدم محترفون.