حصاد 2025: تحديات الحياة في غزة.. تدمير هائل وتعنت إسرائيلي يعيق مستقبل إعادة الإعمار

لا تزال معاناة أهل غزة مستمرة في ظل التعنت الإسرائيلي واشتراطاته الأمنية التي لا تحظى بأي قبول دولي، ما ألقى بظلاله الوخيمة على مسار التهدئة مع استمرار الخروقات اليومية منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الماضي، ناهيك عن تجدد عمليات القصف والاغتيالات وتفجير المباني وتسويتها بالأرض في مناطق رفح وخان يونس وخارج الخط الأصفر، ومنع المساعدات والإغاثة والأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية للعمليات الجراحية، في تعسف واضح وانتهاك لكل التفاهمات التي كفلها الاتفاق. ورغم استعادة إسرائيل لكل الأسرى الأحياء وجثث من قتل منهم، إلا أنها تواصل نكث وعود اتفاق إنهاء الحرب والتنصل من بنوده الإنسانية كغلق المعابر وتضييق دخول المساعدات والآليات المدنية مثل سيارات الإسعاف وآليات رفع الأنقاض، ما خلف مأساة إنسانية واسعة، وسط التدمير الوحشي لعمليات القصف والغارات وتفجير المباني والمؤسسات التي خلفت أضرارا جسيمة في البنية التحتية. ولاتزال الاعتداءات الإسرائيلية متواصلة، مستفيدة من غياب المحاسبة، ما يرسخ حالة عدم الاستقرار في القطاع ويمنع أي حلول تفضي لاستعادة قطاع غزة مظاهر الحياة الحقيقية، ولذا يتوقع أن يظل الوضع هشا خلال عام 2026، في ظل التهديدات بإعادة التصعيد العسكري، وهو ما يضع المجتمع الدولي أمام تحديات عاجلة لإرساء الاستقرار ودعم جهود إعادة الإعمار. وفي 20 ديسمبر الجاري جاءت أحدث الإشارات لاحتمالية الدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار رغم الرفض الإسرائيلي عندما حضت الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا الطرفين المعنيين بوقف إطلاق النار في غزة على الوفاء بالتزاماتهما وممارسة ضبط النفس، وفق ما أفاد به ستيف ويتكوف الموفد الأمريكي بعد محادثات في مدينة ميامي الأمريكية. واجتمع مسؤولون من الدول الثلاث مع ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمراجعة المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي. و في بيان نشره على منصة "إكس " قال ويتكوف: نؤكد مجددا التزامنا الكامل بخطة السلام المكونة من 20 نقطة التي وضعها الرئيس ترامب، وندعو جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها، وممارسة ضبط النفس، والتعاون مع ترتيبات المراقبة". ويأتي التئام الاجتماع الرباعي في ظل غموض بشأن المرحلة التالية من الاتفاق الهش، إذ لا يمر يوم منذ وقف إطلاق النار إلا وتمارس إسرائيل عربدتها العسكرية، وهذا ما دعا الأطراف الضامنة للتدخل بقوة لحث الجانب الأمريكي على الضغط على الحكومة اليمينية لوقف تلك العمليات، إذ تشير الأرقام إلى ارتفاع عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا بنيران إسرائيلية منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ إلى 400 فلسطيني. كما أشار البيان الرباعي إلى التقدم المحرز في المرحلة الأولى من اتفاق السلام، بما في ذلك توسيع نطاق المساعدات الإنسانية، وإعادة جثث الرهائن، والانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية، وتراجع الأعمال العدائية، فيما دعا إلى "إنشاء وتفعيل" إدارة انتقالية "على المدى القريب"، وهي خطوة تنص عليها المرحلة الثانية من الاتفاق. من جانبه، قال هاكان فيدان وزير الخارجية التركي عقب مباحثات في ميامي الأمريكية بشأن خطة السلام في غزة: إن النقاشات التي جرت والتفاهمات التي تم التوصل إليها تبعث على الأمل، وسط الحديث عن معايير الانتقال إلى المرحلة الثانية، محذرا من استمرار انتهاكات إسرائيل لوقف إطلاق النار التي تجعل العملية أكثر صعوبة بشكل لا يصدق، مؤكدا أن جميع الأطراف متفقة على ذلك. وأشار فيدان في تصريح صحفي، إلى وجود دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة تم تقديمها، ومناقشتها تمهيديا، مشددا على أن غزة يجب أن تحكم من قبل أهلها ولا ينبغي تقسيم أراضيها بأي شكل من الأشكال. وأوضح في هذا السياق أنه تم وضع جدول زمني لنقل إدارة غزة إلى لجنة مكونة من تكنوقراط بالتوازي مع بحث تصورات تشكيل مجلس السلام والأعمال المتعلقة بقوة الاستقرار الدولية وكيفية تفعيلها. ويبقى ملف المساعدات الإنسانية من أبرز التحديات الملحة التي تحظى بأهمية بالغة من المناقشات، خاصة مع حلول فصل الشتاء الذي جرفت أمطاره الغزيرة مساكن المواطنين وخيامهم، ناهيك عن معاناة مئات الآلاف من الفلسطينيين من انعدام السكن اللائق ووسائل التدفئة وقلة المواد الغذائية ومعاناة المستشفيات من نقص الأدوية والأجهزة الطبية. وبلغة الأرقام، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان يوم الـ 5 من أكتوبر الماضي أن جيش الاحتلال ألقى حوالي 200 ألف طن من المتفجرات على غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، تسببت بدمار بلغت نسبته نحو 90%، وتشمل تضرر أو تدمير 95% من مدارس القطاع، وتدمير 38 مستشفى في أنحاء القطاع كليا أو جزئيا. وبلغ عدد الشهداء والمفقودين بحسب المكتب الحكومي 76 ألفا و639 شخصا بينهم 9500 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولا، وعدد المصابين 169 ألفا و583 شخصا من بينهم 4800 حالة بتر و1200 حالة شلل، مشيرا إلى محو 2700 أسرة من السجل المدني بعد إبادتها بشكل كامل، في حين سجل أكثر من 12 ألف حالة إجهاض بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية. كل هذه الأرقام تضاف إلى استهداف الجيش الإسرائيلي عدسات الكاميرا والصحفيين بشكل مباشر، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 250 صحفيا منذ بداية العدوان، لمنع نقل الحقيقة المرة والوحشية الهمجية، وهو ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يعيشها سكان القطاع. وعلى المستوى الطبي تفتقر أغلب المستشفيات للأجهزة الطبية الضرورية لمداواة المرضى وعلاج المصابين والجرحى وبينهم آلاف من المعاقين، وكثير منهم بحاجة لعمليات جراحية لا تستطيع غزة المحاصرة القيام بها، دون السماح بخروجهم من القطاع واستضافتهم من دول متقدمة. وفي قطاع الدفاع المدني، تعجز فرق الإنقاذ لغاية اللحظة عن إخراج كل جثث الشهداء جراء تهديم البيوت على أهلها، إضافة إلى منع إسرائيل دخول آليات كفيلة برفع الأنقاض وتنظيف الطرق ونقل مئات الأطنان من الركام المتناثر من الحجارة والحديد التي تقدر بنحو 26 مليون طن، في واحدة من أكبر كميات الأنقاض المسجلة في النزاعات الحديثة، ما يجعل إزالة الركام مرحلة مكلفة وطويلة قبل البدء بالبناء الفعلي. وفي السياق ذاته، لا يسمح إلا بدخول شاحنات قليلة للمواد الغذائية لا تكفي لسد رمق نحو 2 مليون من الغزيين المحاصرين في ظل افتقار الجهة التي تستلم المواد الغذائية لأي تنسيق فعلي يمنع استئثار بعض الناس دون الآخرين فيما تفتقر آلاف العائلات الغزية لمن يعيلها أو يوفر لها أبسط المستلزمات وهذا ما يلقي بظلاله الوخيمة على صحة الناس وحياتهم. ورغم هذه التحديات تواصل دولة قطر جهودها الإغاثية لدعم أهالي غزة، حيث قدمت جمعية قطر الخيرية في إطار حملة "طرود الخير"، نحو 4700 طرد غذائي كما تم توزيع 2,400,000 لتر من المياه الصالحة للشرب، ضمن مشروع "حياة في كل قطرة"، إضافة إلى توزيع وجبات يومية ضمن مشروع "وجبة أمل" ليصل إجمالي عدد الوجبات المستهدفة 47,100، وهي مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة (الإعاقات الحركية والإدراكية والسمعية) ممن يتلقون علاجهم بمستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة، الذين يعدون الأكثر تأثرا من الأزمات. وفي ذات السياق، وضمن مشروع "نعود للفصل" الخاص بالجانب التعليمي، تم توزيع حوالي 4500 حقيبة مدرسية، وإعادة تأهيل 60 فصلا دراسيا، بهدف تلبية المستلزمات المدرسية للطلاب وتوفير بيئة مناسبة لتعليمهم. جدير بالذكر أن دولة قطر على مدى عامين من الحرب كانت حاضرة في قلب الميدان الإنساني في قطاع غزة من خلال الجسور الجوية والقوافل البرية ومبادرات العلاج وغيرها قياما بواجبها الأخوي والإنساني، كما قامت المؤسسات الخيرية القطرية بدعم أهل الخير بتنفيذ الكثير من التدخلات الإنسانية في المجالات المختلفة للتخفيف من معاناة سكان القطاع ومد يد العون لهم في أوقات الشدة، وأشهرها حملة "لبيه غزة" للتبرعات عبر جمعية قطر الخيرية. ووفقا لتقرير أممي في أكتوبر 2025، فإن عملية إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة نتيجة العدوان قد تستغرق حتى عام 2040 على الأقل. وتناول باحثون في معهد الشرق الأوسط التحديات الاقتصادية والهندسية والسياسية لإعادة إعمار غزة حيث أوضحوا أن تقديرات التكلفة الشاملة لإعادة إعمار غزة تتراوح بين 50 مليار دولار و80 مليارا، أخذا بالاعتبار أن تكلفة إزالة الركام وحدها قد تصل إلى 1.2 مليار دولار، اعتمادا على سرعة رفع الأنقاض وإعادة تشغيل الخدمات الحيوية، وتجاوز عقبة التحكم الإسرائيلي الكامل في معابر غزة. وأكدت دراسة المعهد أن الإعمار يجب أن يتجاوز الجانب الإنساني إلى تبني رؤية طويلة الأمد للتنمية تراعي استدامة البنية التحتية وخلق فرص العمل وتوفير بيئة سياسية مستقرة تسمح بتدفق الاستثمارات. في المقابل، تنظر حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى أي إعادة إعمار حقيقية لغزة على أنها ستعطي صورة نصر للفلسطينيين وستساهم في بناء وعي إيجابي تحرري بأن الفلسطينيين استطاعوا تحدي الاحتلال والبقاء رغم إرادته، بينما صورة غزة المدمرة الخالية من كل عناصر الحياة تخدم المشروع الإسرائيلي الاستعماري في كبح جماح الوعي الفلسطيني وتخلق الظروف المواتية لطرد الحياة ودفع الناس إلى التهجير.