لم يكن انقضاض قراصنة عدن في العام 1991م، على حركة إمدادات الطاقة في بحر العرب وخليج عدن حدثاً عادياً، بل كان إنذاراً لمستقبل منطقة لم تستقر منذ مئة عام، وهو يقول بصريح العبارة إن عصر القراصنة كما عرفناهم طوال التاريخ لم ينتهِ مع ظهور الدولة الحديثة، بل إن بقاياه لا تزال في خلايا البعض، وإن خطرهم لايزال حاضراً، وإن من عاش على القرصنة في البحث عن نفوذ ومال لن يتوقف، وستصبح هناك أشكال من القرصنة، لكنها في نهاية الأمر قرصنة.نشطت عمليات قرصنة المليشيات الصومالية، في أعقاب انهيار الدولة الصومالية، وبالرغم من أن ذروتها كانت بين عامي 2007 و2011، إلا أن جذورها التي تعود إلى مليشيات صومالية كانت حجر الأساس لظاهرة استمرت لليوم، وإن اختلفت أشكالها من قرصنة على السفن إلى قرصنة على الدول.في أوائل التسعينات وظّفت بعض الحركات الانفصالية (مثل الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين والحركة الوطنية الصومالية)، «القرصنة» على السفن التجارية كرسائل سياسية للضغط على خصومهم أو منع وصول الإمدادات لموانئ دولية بهدف الحصول على فديات.انطلقت هذه الجماعات الانفصالية المسلحة بشكل رئيسي من القرى الساحلية في الصومال، وكانت مناطق مثل بونتلاند (في الشمال الشرقي) وكيسمايو (في الجنوب) مراكز انطلاق رئيسية، لاحقاً وظّفت «حركة الشباب» الانفصالية هذه النشاطات لفرض أجندات سياسية على فضائها الإقليمي والدولي، لكن تبعاتها لا تزال لليوم، فهي لاتزال منقسمة، وبلا أي أمل في العودة إلى ما كانت عليه دولة مستقلة ذات سيادة.تزامن ظهور القراصنة 1991م، مع حرب تحرير الكويت التي كانت قائمة حينها، وكأن الإقليم في حاجة إلى أزمة أمنية أخرى، وفي المنطقة بين سواحل الصومال وبحر العرب احتل القراصنة خليج عدن، وعاثوا فيه فساداً، وتوقعوا أنهم سيكونون أسياده، نعم هدّدوا السفن التجارية، واعتقدوا في لحظة نشوة عابرة إنهم سيتحكّمون في خطوط التجارة الدولية ويفرضون دولة على أساس مليشياوي، لكن أمواج السياسة الدولية ابتلعت المشروع القائم على فكرة فرض أجندة القراصنة، فلا يمكنك أن تتصادم مع المحيط الدولي مهما كانت قدراتك.هذه مقاربة لما تقوم به – حالياً- بعض العناصر المسلحة في اليمن والتي استلهمت نشاطها من دليل القرصنة الصوماليين، لكنها نقلت نشاط القرصنة من «خليج عدن» إلى «بر عدن»، فاستولت على قرى ومدن، واستباحت سكاناً محليين يختلفون تماماً عنهم وعن امتدادهم، لكن كعادة القراصنة، ليس مهماً – عندهم - ما ترتكب، المهم ما تجني، ولمن تجني.يبدو أن استخدام سياسة القراصنة وتوظيفها لبناء النفوذ هي عدوى تنتقل من مكان إلى آخر، فمن «عاش بالقرصنة» سيبقى قرصاناً حتى لو تجمّل بألف رداء، ومحاولة اختطاف القرار اليمني، ومحاولة اختطاف الرئيس اليمني، محصلتها «قرصنة وطن»، سببها طموحات عبثية لا تنتج إلا التفتيت في نهاية الأمر.كما أن الجرائم التي قام بها القراصنة الصوماليون تبدو أكثر تعففاً من الجرائم التي حدثت في اليمن، فقراصة الصومال استهدفوا السفن التجارية، بينما أغار هؤلاء على أبناء وطنهم وجرّدوا الأُسر من منازلهم وارتكبوا بحقهم جرائم ضد الإنسانية.ولعل المجتمع الدولي الذي استشعر يوماً خطر المليشيا الصومالية وأعمال القرصنة التي ارتكبوها، يستشعر اليوم خطر خطف وطن بأكمله لتنفيذ أجندات عابرة.