قريباً جداً، يبدو أن العالم سيستعد لاستقبال والاحتفاء بأول تريليونير، وعلى الأغلب سيكون هذا الشخص هو رجل الأعمال الأمريكي الشهير إيلون ماسك، والذي تعود أصوله إلى جنوب أفريقيا. هناك شركات مثل آبل ونيفيديا تخطّت قيمتها التريليون دولار فعلياً، والأدق أنها تجاوزت الثلاثة تريليونات من الدولارات، إلا أنه لم يسبق أن اقترب أي رجل أعمال من هذا المستوى القياسي من قبل، وعرف العالم الشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات، واليوم نحن بصدد شكل جديد من رجل الأعمال شديد التأثير، والذي تبلغ ثروته أكثر من معظم دول منطقة الجنوب الجغرافي من خريطة العالم بأسره.مع زيادة الثروات للأشخاص بشكل هائل، يكون من الطبيعي أن تأتي معها شهوة التأثير على القرار السياسي، وهذا بطبيعة الحال مسار محفوف بالمخاطر والمجازفة والقلق، وها هي تصريحات ماسك المختلفة الموجهة تجاه ساسة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا تؤكد هذا التوجه بشكل لا يمكن إنكاره. تريليون دولار هي قوة تأثير مهولة ومصدر قوة غير طبيعي على صانعي القرار السياسي والدبلوماسي والاقتصادي وصناعة الرأي العام بشكل غير مسبوق. عرف العالم نماذج مهمة ومختلفة من رجال الأعمال المؤثرين وبقوة شديدة من أمثال جاكوب روتشيلد وديفيد روكفلر وبيل غيتس ووارن بافيت وجورج سوروس وروبرت مردوخ، إلا أن تأثير التريليوني إيلون ماسك من المتوقع أن يعيد تعريف معنى وأشكال التأثير بشكل مذهل. ولن يكون إيلون ماسك وحده في هذا السباق، فجيف بيزوس رجل الأعمال الأمريكي المعروف لديه نفس الدوافع ولاري إيليسون أيضاً، ولعل ما يحدث بينهم من سباق محموم ومنافسة ساخنة في الفضاء التجاري ومحاولة السيطرة على هذا السوق البكر وعوائده الهائلة المنتظرة يعطي العالم نظرة وعينة مستقبلية لما يمكن توقعه من التأثير التريليوني المنتظر.يدخل العالم مرحلة مهمة ولافتة من هيمنة وتأثير رجال أعمال من نوعية لديها قوى مالية خارقة تفوق قدرات العديد من الدول السيادية في التعامل معها، ولا تستطيع القوانين العالمية الموجودة وضع حدود لها.عالم جديد ومختلففي هذه السنة ظهر جلياً أثر الاقتصاد الرقمي الجديد المتعاظم على مفهوم تكوين الثروة، وظهر تغيير جذري في معنى الثراء، وأصبحت هناك شركات عديدة تتجاوز قيمة كل واحدة منها في السوق ثلاثة تريليونات من الدولارات، وهو مبلغ أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه مذهل جدا، وفي نفس السنة تجاوزت ثروة رجل الأعمال الأمريكي الجنوب أفريقي الأصل إيلون ماسك مبلغ الأربعمائة بليون دولار أمريكي، وهو مبلغ أسطوري لم يصل إليه أحد من قبل يتجاوز في ضخامته حجم الناتج المحلي لأكثر من 50 % من اقتصاد دول العالم، ولو استمر نمو ثروته بهذا المعدل الهائل سيصبح أول تريليونير في التاريخ عما قريب، وهي مسألة تكاد تكون مذهلة وأقرب إلى الخيال. شخص واحد تبلغ حجم ثروته، فيما لو أصبح تريليونيرا، ما يفوق الناتج القومي لبعض دول مجموعة العشرين الاقتصادية!الاقتصاد الخاص والمختلف الذي يوفره عالم التقنية الحديثة يقدم عوائد مذهلة وقيماً أسطورية للشركات، حتى إذا لم تكن لديها أرباح فعلية، وبهذا يكسر الاقتصاد الرقمي القاعدة المالية التي كانت تقيم بها الشركات الناجحة والمؤثرة خلال الثورة الصناعية وما قبلها، وهو بالتالي نموذج أعمال مختلف جذريا. واليوم مع توغل وتوحش وانتشار الذكاء الاصطناعي ومنتجاته المذهلة وزيادة اعتماد الشركات عليه من المرجح أن يقدم هذا الأمر شرارة كبرى لنقلة نوعية في تكوين الثروة لتصل لمستويات قياسية تفوق الخيال. وهذا الثراء الهائل سيوسع الفجوة المالية بين الواحد في المئة التي تشكّلها هذه الشريحة فائقة الثراء من سكان الكرة الأرضية بالمقارنة مع الـ 99 % البقية الأخرى. «المقال كاملاً في الموقع الإلكتروني».وهذا من شأنه أن يزيد من المطالبة بالسداد الضريبي الذي يتهرب منه عموماً أصحاب الثروات الرقمية الجدد، وهو بالتالي يخضع للمساءلة تحت عنوان عدالة توزيع الثروات اجتماعياً. ومع الأرقام المالية الأسطورية لثراء الأفراد والشركات سيزداد الحديث عن هذه المسألة لاشك في ذلك. بول كروغمان الاقتصادي المعروف والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد له رأي مهم في هذه المسألة، قال فيه إن الاقتصاد الرقمي سيبقى نخبوياً طالما لم يتسع حجم الاستفادة منه مجتمعياً.