تعدّدت وكثرت في السنوات الأخيرة الجهات التي تحتفي وتكرم المبدعين والرموز والأوائل والمتميزين من أبناء الخليج والجزيرة العربية وأشقائهم العرب، من أولئك الذين تركوا بصمات في مجالات تخصصهم أو ساهموا بصورة أو بأخرى في عمليات البناء والتطوير والابتكار والتنوير الثقافي والمعرفي. وهذا بطبيعة الحال عمل يحسب لتلك لجهات، لأنه يعزز استمرارية أعمال البحث والإبداع والابتكار في شتى المجالات، ويؤكد احتفاء البلد بالمبدعين من أبنائه وغيرهم وتقديره لهم.وتنقسم هذه الجهات إلى مؤسسات رسمية ذات طابع محلي أو طابع عربي أو طابع عالمي. ومن أمثلتها «المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب بدولة الكويت»، الذي تأسس سنة 1973 بمرسوم أميري، ويعمل كهيئة مستقلة تابعة للدولة لتكريم المبدعين من أبناء الكويت حصرياً، و«جائزة الملك حمد للتعايش السلمي»، وهي جائزة دولية أُنشئت بمرسوم ملكي في عام 2024، وتُمنح كل سنتين للأفراد والمنظمات الذين قدموا إنجازات وإسهامات رائدة في مجال حوار الحضارات والتعايش السلمي وتعزيز قيم السلام والتنوع الإنساني ونبذ العنف والكراهية.وفي دولة الإمارات، توجد العديد من المؤسسات التي تكرم المبدعين سنوياً في 13 فئة، تشمل الثقافة والفنون والأعمال والزراعة والبيئة والتعليم والتميز المؤسسي والابتكار والإعلام والعلوم والسلام والرياضة والسياحة والأعمال الإنسانية مثل: «جائزة أبوظبي للأداء الحكومي» و«جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم لدعم التعليم» و«جائزة الشيخ خليفة للتميز الحكومي» و«جائزة الشيخ محمد بن راشد للأداء الحكومي المتميز» و«جائزة الشيخ زايد للكتاب» و«جائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية» و«جائزة الشيخة فاطمة بنت مبارك للمرأة الرياضية» و«جائزة الصحافة العربية» السنوية في دبي، و«جائزة نوابغ العرب» السنوية التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد سنة 2022 لاكتشاف النوابغ العرب وتقديرهم وتكريمهم وتمكينهم وتعظيم أثر عملهم في العالم العربي.وفي سلطنة عمان، توجد جوائز مماثلة مثل: «جائزة السلطان قابوس السنوية للثقافة والفنون والآداب»، و«جائزة الإبداع العربي»، و«جائزة شخصية المنجز الكتابي»، و«جائزة شخصية القدرة والإرادة» للمبدعين من ذوي الإعاقة، و«جائزة ظفار للإلهام والإبداع» العالمية.أما في قطر، فتوجد جائزة «كتارا» التي تُمنح للمبدعين من أبناء قطر والدول العربية في مجالات الشعر والرواية، و«جائزة الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني» الوقفية العالمية التي أُنشئت عام 1998، لتأكيد دور الوقف الإسلامي في رعاية العلوم والثقافة والفكر الإسلامي، و«جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية» وتُمنح للعلماء والمبدعين من أبناء البلاد تقديراً لإنجازاتهم، و«جائزة الدولة لأدب الطفل» ذات الطابعين المحلي والعربي التي تُمنح في مجالات ذات صلة بالطفل.وظهرت في الخليج أيضاً مؤسسات مماثلة لكنها مدعومة وممولة من قبل جهات أهلية، ولعل أبرزها مؤسسة «جائزة الملك فيصل العالمية» التابعة لمؤسسة الملك فيصل الخيرية التي أُطلقت في عام 1977، لتكريم العلماء في مجالات خدمة الإسلام والدراسات الاسلامية واللغة العربية وآدابها والطب والعلوم، و«مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية» بالشارقة، التي تصدر عنها جائزة باسم صاحبها منذ عام 1987، وتُمنح كل سنتين للأدباء والكتاب والمفكرين والعلماء العرب في مجالات القصة والرواية والمسرح والشعر والنقد والدراسات الإنسانية، و«شركة يوسف بن أحمد كانو» البحرينية، التي أطلقت من المنامة سنة 1998 جائزة سنوية باسم مؤسسها لتكريم ودعم الباحثين والمبدعين العرب في مجالات الاقتصاد والفن التشكيلي والبحث العلمي الجامعي وتشجيع الابتكار والإبداع وتعزيز البنية الثقافية في البلاد.كانت تلك توطئة للحديث عن شخصية إماراتية تتولى اليوم مناصب «الأمين العام للمؤتمر الدولي للريادة والابتكار والتميز» و«الرئيس التنفيذي للهيئة الدولية للتسامح وتكريم الرواد المميزين على مستوى الوطن العربي»، و«المدير الإقليمي للهيئة العالمية لتبادل المعرفة»، و«الأمين العام لملتقى الدبلوماسية الثقافية». وقد اخترنا توثيق سيرته وجهوده في هذه المادة لأنه صاحب سيرة مضيئة وناصعة أولاً، ثم لأنه رجل لا يكلّ ولا يملّ من التنقل بين الأقطار العربية بحثاً عن المبدعين والمتميزين من أجل تكريمهم ومنحهم التقدير والعرفان المستحقين، هذا فضلاً عن امتلاكه مواهب فردية وشخصية آسرة وثقافة متشعبة وقدرة فذّة على العمل والإنجاز، ما يجعله قدوة للآخرين، هو الذي يحاول جاهداً أن يبرز للناشئة الجدد شخصيات مبدعة، من خلال تكريمهم، ليكونوا قدوة لهم في حياتهم.وُلد الدكتور «عبدالحميد عبدالله نجم الرميثي» في إمارة أبو ظبي، ابناً لعائلة تنتمي إلى عشيرة الرميثات من بني ياس، وهي عشيرة لها ذكر في تاريخ مناطق إماراتية عديدة، ولاسيما المنطقة الغربية من إمارة أبوظبي. وعلى الرغم من أن صاحبنا يحمل الجنسية الإماراتية ويفتخر بانتمائه إلى هذه الدولة الخليجية الشقيقة ويحرص على ارتداء زيها الوطني، إلا أنه يجيبك بأنه «خليجي» إن سألته من أين أنت؟ ولعل سبب ذلك هو أنه عاش ودرس في البحرين وشرق السعودية في طفولته، وعاش ودرس في الكويت زمن شبابه، وزار وأقام وعرف بقية بلدان الخليج، فصارت المنطقة كلها جزءاً من كيانه وحشاشة قلبه.يخبرنا الرميثي، في مقال كتبه في صحيفة «مكة» السعودية، عن جوانب من طفولته، فيقول ما مفاده أن أول مدرسة التحق بها بعد بلوغه سن الالتحاق بالتعليم، هي «مدرسة الخبر الأولى» الابتدائية في شمال مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية من السعودية، حيث كان مرافقاً لوالديه اللذين قادتهما الظروف المعيشية والبحث عن الرزق إلى هناك في خمسينات القرن العشرين، وحيث عمل والده عبدالله نجم الرميثي في أعمال المقاولات والإنشاءات مع المقاول السعودي الينبعاوي (نسبة إلى ينبع) «محمد عبدالمطلوب معوض». ولهذا السبب فقد عشق الخبر وله فيها ذكريات عزيزة على قلبه ومعارف كثر من سنوات دراسته هناك حتى الصف السادس ابتدائي مثل؛ خالد سعد النصار وخالد عبدالله الخليوي ومحمد أحمد بغلف وحسين عبدالكريم الصوفي، وجميعهم أصبحوا من رجالات الخبر المعروفين. ويتذكر أن الصفوف الأولى التي درس بها في تلك المدرسة (تأسست في نهاية أربعينات القرن العشرين) كانت بلا مقاعد أو طاولات، فكان الطلبة يجلسون على حُصُر مفروشة على الأرض.وبحسب إفادته، فإنه أقام مع عائلته بالخبر في «فريج الدواسر» في منزل ملاصق لمسكن مربّي الخبر الأول المرحوم عبدالله فرج الصقر (أحد الذين درّسوه بمدرسته الابتدائية)، ومواجه لبيت الأستاذ عبدالله جمعة الدوسري رئيس شركة أرامكو السابق، وكان للرجل خال يسكن في الفترة نفسها بمنطقة الصبيخة (الخبر الجنوبية) بالقرب من بيت راشد العقل. ولهذا دأب الرميثي على تذكيري بأن هناك نقاط تقاطع بين سيرتي وسيرته لأن كلينا عاش ودرس بمدينة الخبر، ولأن لكلينا فيها ذكريات جميلة وأصدقاء أعزاء، ولأن كلينا عشق رقيّها وتحضّرها وانفتاحها وتخطيطها العمراني الفريد.وفي مقال آخر كتبه لصالح صحيفة «مكة»، تحت عنوان (رحلة البحث عن اسمي)، قال إن اسمه الأول ليس من الأسماء الشائعة في الإمارات، وإنه تساءل لماذا أطلق عليه والده هذا الاسم وليس أحد أسماء العلم المتداولة في بلاده مثل سعيد وعبيد وحميد وخليفة وسلطان؟ وراح يبحث إلى أن اهتدى إلى السبب، وهو أن والده سماه عبدالحميد تيمناً باسم صديقه الحجازي العصامي «عبدالحميد الطحلاوي»، الذي كان يعمل في الأربعينات سائق شاحنة لدى المقاول عبدالمطلوب. وعبدالحميد الطحلاوي (رحمه الله) هو والد زميلنا المستشار الإعلامي السابق في أرامكو السعودية الأستاذ محمد الطحلاوي.من بعد الخبر انتقلت أسرة صاحبنا إلى البحرين مواصلة بحثها عن الرزق هناك. وفي البحرين تسنى للرميثي السكن بمدينة المحرق والالتحاق بمدرسة الهداية الخليفية (تأسست عام 1919 كأول مدرسة نظامية للبنين) التي واصل بها تعليمه، وحفر على جدرانها أجمل الذكريات مع ثلّة من نجباء وأعلام البحرين. دراسته الجامعية كانت في جامعة الكويت التي أمضى في رحابها أربع سنوات انتهت بتخرجه في كلية الآداب سنة 1980. بعدها حصل على بعثة دراسية من حكومة الإمارات لمواصلة تعليمه العالي في الولايات المتحدة، حيث حل بمدينة بلومنغتون في ولاية إنديانا برفقة زوجته لنيل درجتَي الماجستير والدكتوراه، وكان سعيداً هناك لأنه عثر على سكن مناسب في عمارة مخصصة لإقامة طلبة الجامعة المتزوجين، ثم زادت سعادته لما اكتشف أن غالبية سكان تلك العمارة من الطلبة العرب والسعوديين. أمضى الرميثي سنة واحدة في تلك المدينة والولاية، أنجب خلالها ابنته الأولى «أمل»، ثم غادرها لعدم قدرته على تحمل بردها وصقيعها، تاركاً خلفه علاقات صداقة جمعته ببعض السعوديين الدارسين كالدكتور علي النجعي والدكتور ناصر الصايغ والدكتور عبدالرحمن المشيقح. وجهته التالية كانت لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا التي أنهى بها الماجستير والدكتوراه.والرميثي من الشخصيات التي يستبدّ بها الحنين والشوق إلى الزمن الجميل وإلى المدن والمواقع التي شهدت ذكريات طفولته وصباه، ولهذا فهو يحثّ الناس على زيارة مدارسهم القديمة ومواقع طفولتهم والتواصل مع معلميهم القدامى، كما فعل ويفعل هو شخصياً، مطبقاً قول امرئ القيس (قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل)، وقول أبي تمام (كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منزلِ). ففي عام 2022 اشتاق إلى مدرسته الابتدائية العتيقة بالخبر، فشد رحاله إليها برّاً بسيارته، وهناك ترجّل من سيارته وراح يطوف حول سور مدرسته مشياً على قدميه، بل وقف عند بوابتها يبكي كالأطفال. وبالمثل قاده الشوق والحنين إلى من عرفهم في سنوات حياته المبكرة، فسافر إلى الأحساء باحثاً عن معلمه في المرحلة الابتدائية الأستاذ شمروخ، وسافر إلى مدينة بريدة في القصيم باحثاً عمّن زاملهم وصادقهم من السعوديين في مرحلة دراسته الجامعية العليا بأمريكا. مسيرة من الأوائلبدأ الرميثي رحلته المهنية من خلال العمل الأكاديمي، فكان أول مواطن إماراتي يقوم بالتدريس في جامعة الإمارات بمدينة العين في الفترة 1978 ــ 1980. بعد ذلك باشر مهمات أخرى عديدة، فكان أول مستشار إماراتي يعمل لدى شركة «أدكو» النفطية في مجال الإدارة والتدريب في الفترة 1983 ــ 1984. وأول إماراتي يحاضر في مؤتمر مهني معني بالتربية والتعليم بالولايات المتحدة سنة 1981، وأول إماراتي يحاضر في «مؤتمرالاتحاد العالمي لجمعيات التدريب والتنمية» في كندا سنة 1981، وأول من تحدث عن قضايا التوطين وأهمية تنمية وتطوير الموارد البشرية الوطنية، خلال المؤتمر الأول لتنمية الموارد البشرية المنعقد بمدينة أبوظبي عام 1983، وهو أيضاً أول إماراتي تنشر له مقالة في مجلة أمريكية محكمة ومتخصصة في التدريب (مجلة الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD Journal)، وأول مواطن إماراتي يقوم بالتدريس لطلبة الماجستير في ماليزيا، كجزء من برنامج ماجستير إدارة الأعمال من جامعة كرانفيلد البريطانية، وأول مواطن إماراتي يُنتخب عضواً بمجلس إدارة الاتحاد العالمي لجمعيات التدريب والتنمية (IFTDO Executive Board) في الفترة 1981 ــ 1984، وأول إماراتي يشترك في فريق لإعداد دراسة جدوى اقتصادية لمشروع سياحي شاركت دولة الامارات بتمويله في تونس سنة 1976. تنمية الموارد البشريةإلى ما سبق، هو مؤسس أول شركة وطنية (البديل للاستشارات الإدارية) وأول مركز تدريب خاص بدولة الإمارات في أبوظبي عام 1983، ومنظم أول مؤتمر لتنمية الموارد البشرية بدولة الإمارات بمشاركة خليجية وعربية وعالمية سنة 1983، ومؤسس أول تجمّع مهني للعاملين والمهتمين بتنمية الموارد البشرية من خلال مشروع «جمعية الإمارات لتنمية الموارد البشرية» سنة 1982، وهو مصمم ومنفذ ومدير أول برنامج للتوطين في منطقة الخليج العربي (برامج الشباب في الشارقة وأبوظبي ودبي ومسقط خلال السنوات 1983-1990)، ومنظم ومدير حملة الأمل للأطفال والمعاقين التي نجحت في جمع أكثر من سبعة ملايين درهم خلال أقل من خمسة شهور في عام 1995، وصاحب ومنفّذ فكرة أول جائزة في مجال الريادة لتنمية الموارد البشرية لشخصيات وفعاليات خليجية، كان من بين الفائزين بها الأمير خالد الفيصل والشيخ أحمد بن سعيد المكتوم والأمير محمد بن فهد. كما أنه صمم وأدار «الحملة الوطنية لأصحاب الأعمال الشباب» التي نفذتها غرفة تجارة وصناعة أبوظبي سنة 1999 على مستوى إمارة أبوظبي، وصمّم وأدار «الحملة الوطنية الأولى لسيدات الأعمال» التي نفّذها مجلس سيدات أعمال أبوظبي سنة 2002 على مستوى إمارة أبوظبي، ونفّذ برامج تدريبية في عدد كبير من الدول الخليجية والعربية والغربية والآسيوية.وفي مجال التأليف والنشر، أضاف الرميثي إلى المكتبة الخليجية كتابين في مجال تخصصه، هما: «كيف تضمن الحصول على وظيفة»، و«كيف تبدأ مشروعاً تجارياً».ريادة