فرانشيسكا ألبانيزي… حين يُعاقَب كشف الجريمة ويُكافَأ الصمت #عاجل

كتب  اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني منذ اندلاع الحرب والجرائم الصهيونية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، برزت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، كأحد أكثر الأصوات الدولية وضوحًا في توصيف ما يجري بوصفه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذا الدور، القائم على التوثيق القانوني والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، لم يُقابل بالدعم، بل بسلسلة من العقوبات والضغوط السياسية الأمريكية ، تُوّجت بقرار جامعة جورج تاون قطع علاقتها الأكاديمية معها وإزالة اسمها من قوائم الباحثين المنتسبين إليها. لم تخرج ألبانيزي عن تفويضها الأممي، بل التزمت بمسؤوليتها المهنية في جمع الأدلة وتحليل أنماط الانتهاكات. غير أن النظام الدولي، حين يتعلق الأمر بدولة الكيان الصهيوني، بدا عاجزًا عن تحمّل تبعات الحقيقة، ففُرضت عليها عقوبات أميركية في يوليو/تموز 2025 بذريعة تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية، في سابقة خطيرة تُجرِّم التوثيق بدل أن تحميه. قرار جامعة جورج تاون، الذي جاء في أعقاب هذه العقوبات، شكّل مؤشرًا إضافيًا على انصياع المؤسسات الأكاديمية الغربية للضغط السياسي، حتى عندما يتعارض ذلك مع أبسط مبادئ حرية البحث والاستقلال الأكاديمي. وقد وصفت ألبانيزي ما جرى بـ«الخذلان الكبير»، في تعبير يلخّص تحوّل بعض الجامعات من فضاءات للنقد الحر إلى مؤسسات تُدار بمنطق تجنّب العقاب. وفي السياق ذاته، لم تكن ألبانيزي حالة استثنائية. فقبل عدة شهور، أقدمت الجمعية الأميركية للغدد الصماء على سحب عضوية البروفيسور الأردني الدكتور كامل العجلوني، أحد أبرز علماء الغدد الصماء في المنطقة، للسبب ذاته: مواقفه الإنسانية المنتقدة للعدوان على غزة. وكما في حالة ألبانيزي، استُخدمت التهمة الجاهزة نفسها، «معاداة السامية»، دون أي مسوّغ علمي أو مهني، في تجلٍّ واضح لكيفية توظيف هذه التهمة لإقصاء الأصوات المخالفة للسردية الصهيونية، حتى داخل المؤسسات العلمية البحتة. هذا النمط المتكرر من الاتهامات يكشف تحوّل «معاداة السامية» من مفهوم يُفترض أن يحمي جماعة بشرية من العنصرية، إلى أداة سياسية لإسكات النقد المشروع وخلط متعمّد بين انتقاد سياسات دولة الاحتلال والكراهية الدينية أو العرقية. ومع تعذّر إسكات هذه الأصوات، يجري الانتقال إلى تهمة أكثر حدّة: «دعم حماس»، في محاولة لنزع الشرعية الأخلاقية والحقوقية عن أي موقف إنساني مستقل. في توصيفها العميق، قالت ألبانيزي إن ما تتعرض له يؤكد أن النظام العالمي «ضعيف وخائف»، لأنه يخاف من صحوة الضمير التي قد تقود إلى المساءلة. وهذا الخوف لا يقتصر على الحكومات، بل يمتد إلى الجامعات والجمعيات العلمية التي باتت تُدار بمنطق الاصطفاف السياسي لا الالتزام بالحقيقة. في المحصلة، لم تعد قضية فرانشيسكا ألبانيزي، ولا قضية الدكتور كامل العجلوني، شأنًا شخصيًا أو مهنيًا معزولًا، بل أصبحتا اختبارًا لصدقية منظومة حقوق الإنسان وحرية البحث الأكاديمي في الغرب. فإما أن تُحمى الحقيقة ومن يكشفها، أو يُعترف بأن العدالة الدولية انتقائية، وأن حرية التعبير مشروطة بألا تمسّ دولة الاحتلال الصهيوني وجرائمها المتواصلة ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية . .