بين إيران وغزة وترامب: نتنياهو إلى مار-أ-لاغو بحثًا عن وقتٍ إضافي #عاجل

كتب زياد فرحان المجالي - لا يسافر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى فلوريدا هذه المرة بحثًا عن صورة تذكارية أو بيان تضامن تقليدي، بل وهو محمّل بثلاثة أثقال متداخلة: جبهة إيران التي لم تُغلق فعليًا بعد حرب الأيام الاثني عشر، والانتقال القسري نحو المرحلة الثانية في غزة، ثم التوتر الهادئ – غير المعلن – مع دونالد ترامب وإدارته، في لحظة سياسية أميركية شديدة الحساسية قبل انتخابات منتصف الولاية. من الخارج تبدو الرحلة استمرارًا لمسار مألوف: لقاء في مار-أ-لاغو، عدسات محدودة، لغة ودّية محسوبة. لكن ما يجري تحت الطاولة مختلف تمامًا. فواشنطن تدخل اللقاء بأجندة عملية محددة، فيما يصل نتنياهو محاولًا إعادة ترتيب الأولويات، أو على الأقل خلط الأوراق بما يمنحه هامش مناورة إضافيًا في الداخل والخارج معًا. غزة: اليوم التالي الذي تريده واشنطن الإدارة الأميركية، كما تُسرّب مراكزها السياسية والأمنية، لم تعد راغبة في إدارة حرب مفتوحة بلا أفق. هدفها واضح: الانتقال إلى المرحلة الثانية في غزة، وإطلاق مسار "اليوم التالي”. هذا المسار، وفق الطرح الأميركي، يقوم على ثلاث ركائز مترابطة: استكمال صفقة الأسرى، تشكيل هيئة أو مجلس فلسطيني ذي طابع تكنوقراطي محلي، ثم نشر قوة تثبيت أو استقرار دولية تمنع عودة الفوضى وتحدّ من نفوذ الفصائل المسلحة. هذا الطرح لا ينبع فقط من اعتبارات إنسانية أو أخلاقية، بل من حسابات أميركية باردة: استمرار الحرب يُضعف قدرة واشنطن على إدارة ملفات أكبر، من أوكرانيا إلى شرق آسيا، ويُفاقم الانقسام داخل الحزبين، ويضع ترامب نفسه في مواجهة قاعدة انتخابية منقسمة، خصوصًا داخل تيار MAGA الذي بات أقل حماسة لتحمّل كلفة سياسية مفتوحة باسم إسرائيل. نتنياهو: خطوط حمراء ومخاوف وجودية في المقابل، لا يأتي نتنياهو إلى مار-أ-لاغو بصفحة بيضاء. هو يحمل مجموعة خطوط حمراء يعرف أن تجاوزها قد يهدد بقاءه السياسي. أول هذه الخطوط: رفض أي دور تركي في قوة الاستقرار أو في إدارة غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. بالنسبة له، الوجود التركي لا يُقرأ كعنصر توازن، بل كاختراق استراتيجي طويل الأمد قد يمتد من غزة إلى سوريا وشرق المتوسط. الخط الأحمر الثاني يرتبط بإيران. هنا يحاول نتنياهو إعادة مركز الثقل في النقاش. فبينما تصر واشنطن على أن الضربات السابقة عطّلت المسار النووي الإيراني، ترى إسرائيل أن الخطر الحقيقي – والأكثر إلحاحًا – يكمن في الصواريخ الباليستية وفي إعادة تفعيل الأذرع الإقليمية. من وجهة النظر الإسرائيلية، يمكن تأجيل النقاش النووي، لكن لا يمكن التعايش مع شبكة ردع صاروخية تتوسع وتتحسن نوعيًا. إيران: ملف لم يُغلق الملفت أن نتنياهو لا يقدّم إيران فقط كتهديد لإسرائيل، بل يحاول تسويقها كخطر مباشر على المصالح الأميركية ذاتها. الرسالة التي سيحملها إلى ترامب واضحة: أي تهدئة غير مشروطة، أو أي تركيز حصري على غزة، سيمنح طهران فرصة ذهبية لإعادة التموضع، سواء عبر تطوير منظوماتها الصاروخية أو عبر ضخ الدعم لحلفائها الإقليميين. في هذا السياق، لا يبدو طرح بعض الأوساط الإسرائيلية – حتى لو جاء في إطار أكاديمي أو نظري – حول "توازن ردع إقليمي متعدد” مجرد خيال. بل هو انعكاس لتفكير استراتيجي قلق من سيناريو تفقد فيه إسرائيل تفوقها النوعي التقليدي دون أن تمتلك شرعية دولية لعمل عسكري واسع. لبنان وحزب الله: بين الردع والاحتواء إلى جانب إيران، يطفو ملف لبنان على طاولة اللقاء. واشنطن تميل إلى مقاربة تقوم على الحوافز الاقتصادية والضغوط السياسية لضبط حزب الله، بينما تواصل إسرائيل سياسة "الضربات المحدودة” لمنع ترميم البنية العسكرية. هذا التباين يخلق احتكاكًا مكتومًا: الأميركيون يخشون انفجارًا غير محسوب، والإسرائيليون يخشون فقدان الردع. السمعة الدولية: عبء صامت كل ذلك يجري فيما تتراجع صورة إسرائيل عالميًا إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود. لم تعد الانتقادات مقتصرة على الحكومة أو القيادة السياسية، بل امتدت إلى المجتمع والدولة ككل، مع آثار اقتصادية وسياحية واستثمارية ملموسة. هذا التراجع لا يضغط على نتنياهو فقط، بل يضع ترامب أيضًا أمام معضلة: إلى أي مدى يمكنه الاستمرار في تغطية سياسات تُكلفه رصيدًا داخليًا متآكلًا؟ سوماليلاند: تفصيل كاشف حتى التفاصيل التي تبدو هامشية، مثل سؤال ترامب عن الاعتراف بسوماليلاند، تكشف المزاج الحقيقي. ردّ ترامب الساخر لم يكن موجّهًا للصحفي فقط، بل حمل رسالة ضمنية: لا مفاجآت، لا ملفات جانبية، ولا مغامرات دبلوماسية خارج الحسابات الأميركية الدقيقة. ما الذي يريده نتنياهو حقًا؟ في المحصلة، لا يسعى نتنياهو إلى اتفاق نهائي في مار-أ-لاغو، بل إلى شيء أبسط وأكثر إلحاحًا: الوقت. وقت لتأجيل استحقاقات غزة، وقت لإعادة ترتيب الجبهة مع إيران، ووقت لإدارة توازناته الداخلية المتآكلة. السؤال ليس ماذا سيخرج به من اللقاء، بل ماذا سيؤجَّل بفضله. فمار-أ-لاغو قد لا تكون محطة حسم، لكنها بالتأكيد محطة اختبار: لحدود التحالف، ولسقف الصبر الأميركي، ولقدرة نتنياهو على الاستمرار في اللعب على حافة الهاوية دون أن يسقط – أو يُسقِط المنطقة معه. .