شفق نيوز- كركوك في مشهد يلخص حجم التحديات الأمنية التي تواجه العراق في حربه المستمرة ضد المخدرات، تحوّل فجر اعتيادي في كركوك إلى فاجعة إنسانية، بعد أن فقدت عائلة أحد منتسبي القوات الأمنية معيلها، أثناء تنفيذ واجب أمني لملاحقة تجار المخدرات. المفوض ليث المنتسب إلى فوج سوات كركوك، كان ضمن قوة مشتركة من سوات ومكافحة المخدرات انطلقت مع ساعات الصباح الأولى، بعد ورود معلومات استخبارية دقيقة عن وجود عصابة لتجارة المخدرات في منطقة دارمان على طريق كركوك – أربيل، حيث كانت العملية مخططة ومحكمة، ونجحت القوة في محاصرة اثنين من المتهمين داخل إحدى المزارع. لكن المشهد تغيّر سريعاً، إذ أقدم أحد المتهمين على احتجاز عائلة مدنية تقطن مزرعة قريبة، في محاولة لخلط الأوراق وعرقلة تقدم القوات، وأثناء سعي القوة لإنهاء الموقف بأقل الخسائر، فتح المتهم النار باتجاه العناصر الأمنية، ما أدى إلى إصابة المفوض ليث وعدد من المنتسبين. ونُقل المصابون على وجه السرعة إلى المستشفى، إلا أن إصابة ليث كانت بالغة، هناك، توقفت رحلة شاب اختار العمل في الخطوط الأمامية، وفارق الحياة متأثراً بإصابته، تاركاً خلفه زوجة وطفلة رضيعة لم تعرف من والدها سوى اسمه وصوره. والد المفوض ليث، تحدث لوكالة شفق نيوز بصوتٍ مثقل بالحزن، قائلاً إن "ابنه كان محباً لعمله ومؤمناً بواجبه، ولم يكن يتردد يوماً في تلبية أي نداء". وأضاف: "خرج صباحاً كعادته، قال لنا لا تتأخروا عليّ بالدعاء، ولم يخطر ببالنا أن تلك الكلمات ستكون الأخيرة"، مبينا أنه "بعد ساعات قليلة تلقيت اتصالاً أخبرني بإصابته، ثم جاء الخبر الأصعب، ابني قُتل أثناء مواجهة مع تجار مخدرات، ليث لم يكن يبحث عن بطولة، كان يؤدي واجبه فقط". وأشار إلى أن العائلة كانت تعيش فرحة قدوم مولودته قبل نحو شهر، قائلاً: "رزقه الله بنتاً بالكاد فتحَت عينيها على الدنيا، لتجد نفسها يتيمة الأب، هذا حزن لا يوصف". إلى ذلك، قال المتحدث باسم قيادة شرطة كركوك، العقيد عامر نوري الشواني، للوكالة، إن "العملية الأمنية جاءت ضمن الحملات المستمرة لمكافحة المخدرات"، مؤكداً "القبض على أحد أبرز المتورطين وفرض السيطرة على الوضع، مع اتخاذ الإجراءات القانونية بحق جميع المتهمين". وأكد الشواني، أن "القوات الأمنية مستمرة في ملاحقة شبكات المخدرات"، مشدداً على أن "التضحيات التي يقدمها المنتسبون لن تثني الأجهزة الأمنية عن أداء واجبها في حماية المجتمع، وأن دماء من سقطوا في الميدان ستبقى دافعاً لمواصلة الطريق". وكان مصدر أمني، أفاد في وقت سابق من اليوم الأثنين، بوقوع اشتباكات مسلحة بين القوات الأمنية وتجار مخدرات في منطقة دارمان في كركوك، أثناء تنفيذ حملة أمنية لملاحقة المتورطين بتجارة المواد المخدرة. وقال المصدر لوكالة شفق نيوز، إن "المصادمة أسفرت عن مقتل أحد عناصر قوة سوات وإصابة عنصر أمني آخر بجروح، أثناء تأدية واجبهم في مداهمة أوكار المتاجرين بالمخدرات". وأضاف أن "القوة الأمنية تمكنت، خلال العملية، من اعتقال أحد أكبر تجار المخدرات في المنطقة، وضبط مواد ممنوعة كانت بحوزته"، مشيراً إلى أن "العملية جاءت ضمن الجهود المستمرة لمكافحة المخدرات وتعزيز الأمن". وأكد المصدر، أن "الوضع الأمني عاد إلى الاستقرار بعد انتهاء العملية، فيما نُقل المصاب إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم". في المقابل، نعت وزارة الداخلية في بيان ورد للوكالة، بأن "أحد منتسبي فوج سوات في قيادة شرطة محافظة كركوك، الذي سقط ضحية خلال تنفيذ عملية أمنية لإلقاء القبض على متهمين من تجار المخدرات، ضمن قاطع التون كوبري في محافظة كركوك". وقالت الوزارة، إن "قوة مشتركة من تشكيلات وزارة الداخلية، وبالاشتراك مع القوة الماسكة للأرض، خرجت لتنفيذ واجب أمني وفق أوامر قبض أصولية بحق متهمين مطلوبين بقضايا مخدرات". وأوضحت أنه "عند وصول القوة إلى مكان الواجب، تعرضت لإطلاق نار وحصل اشتباك مسلح مع المتهمين، ما أسفر عن إصابة عدد من المنتسبين من القوات الأمنية، نُقلوا على إثرها إلى المستشفيات المختصة، وحالاتهم الصحية مستقرة". وأشار البيان، إلى أن "القوة الأمنية تمكنت من تحرير أسرة كانت محتجزة داخل إحدى المزارع، وإلقاء القبض على أحد المتهمين، فيما قتل المتهم الآخر خلال الاشتباك، فضلاً عن ضبط أسلحة نارية واعتدة ومواد مخدرة"، مؤكدا أنه "تم نقل الجثة إلى الجهات المختصة، وفتح تحقيق أصولي بالحادث". وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الداخلية، عن نجاح عمليتين أمنيتين نوعيتين منفصلتين، استهدفتا شبكات تهريب وتجارة المخدرات، استنادا إلى معلومات استخبارية دقيقة ومتابعة ميدانية مكثفة. ووفقا لبيان ثان صادر عن الوزارة، فإن "العمليتين أسفرت عن إلقاء القبض على اثنين من التجار الدوليين بالمخدرات، وضبط 3 كغم من المواد المخدرة في محافظة ديالى، إضافة إلى ضبط 48 كغم من المواد المخدرة في محافظة البصرة، خلال واجب مشترك نفذته تشكيلات وزارة الداخلية المختصة". وأشار البيان الى "إحالة المتهمين إلى القضاء أصوليًا لينالوا جزاءهم العادل وفق القانون". وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت، يوم 25 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تفكيك 1200 شبكة محلية و دولية للاتجار بالمخدرات مع ضبط ومصادرة أكثر من 14 طنا من المواد المخدرة المختلفة خلال ثلاث سنوات من عمر حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها محمد شياع السوداني. وأعلن رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني مطلع شهر كانون الاول/ ديسمبر الجاري، أن التعاون والتنسيق بين العراق ومختلف الدول أسفر عن ضبط حوالي 6 أطنان من المخدرات. وكان يُنظر إلى العراق طوال عقود على أنه ممر لعبور المخدرات من أفغانستان وإيران إلى أوروبا ودول الخليج، إلا أن البلد تحول إلى مستهلك رئيسي لمختلف أنواع المخدرات، منذ إطاحة النظام العراقي السابق عام 2003 على يد قوات دولية قادتها الولايات المتحدة، إذ تسود البلاد حالياً نزاعات وأوضاع أمنية واقتصادية غير مستقرة. كان المركز الاستراتيجي العراقي لحقوق الإنسان، قد كشف نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، عن تفكيك 230 شبكة ضمنها 27 شبكة دولية لتجارة المخدرات من قبل المديرية العامة لشؤون المخدرات التابعة لوزارة الداخلية.