بكوفيته الحمراء وعصبته الخضراء التي كانت لا تفارقه كلما طلّ على الشاشة لبث كلماته وبياناته المصورة، وبصوته الحاد الذي أرعّب "إسرائيل”، عُرف "أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس. لم يكن "أبوعبيدة” مجرد لقب إعلامي عابر، بل تحوّل خلال 21 عامًا إلى رمز وأيقونة مرتبطة بانتصارات كتائب القسام، وانكسارات "إسرائيل” وجيشها أمام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. ويعد "أبو عبيدة” أو "الملثم”، كما يلقبه كثيرون، رمزًا للمقاومة الفلسطينية منذ ظهوره البارز في 25 يونيو/حزيران 2006، ليعلن تنفيذ المقاومة عملية "الوهم المتبدد” التي أدت إلى مقتل جنديين إسرائيليين وأسر الجندي جلعاد شاليط. ورغم أن اسمه وصورته ظلا طي الكتمان لعقدين من الزمان، إلا أن صوته فقط كان كفيلًا في كل مرة يطل فيها على الشاشة بأن يُؤرق "إسرائيل” ويُرعب جيشها. النشأة والتعليم اسمه حذيفة سمير الكحلوت ولد في 11 شباط/فبراير 1984 في السعودية، وعاش في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وتلقى تعليمه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا”. نشّط في الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس في مدرسة أحمد الشقيري الثانوية شمالي قطاع غزة. وتخرج من الثانوية العامة بتفوق من الفرع العلمي عام 2002، ومن ثم بدأ دراسة الهندسة، ثم حوّل إلى كلية أصول الدين. وحصل على درجة الماجستير من قسم العقيدة في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية في غزة عام 2013، وكان عنوان رسالته "الأرض المقدسة بين اليهودية والنصرانية والإسلام”. التحق "أبو عبيدة” مبكرًا بصفوف حركة حماس وكتائبها العسكرية، مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، حيث برز دوره داخل القسام وتدرج في مهامها الميدانية والإعلامية. دوره الإعلامي ظهر "أبو عبيدة” أول مرة في مؤتمر صحفي من داخل مسجد "النور” شمالي القطاع، خلال معركة "أيام الغضب” في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2004، والتي أطلقتها فصائل المقاومة ردًا على اجتياح الاحتلال لشمالي القطاع. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الواجهة الإعلامية للقسام، وارتبط اسمه بإعلاناتها عن العمليات العسكرية والتصدي للتوغلات الإسرائيلية. وشغل”أبو عبيدة” منصب مسؤول الإعلام العسكري في القسام، وكان مقربًا من القائد العام للكتائب الشهيد محمد الضيف. وعقب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، حمل أبو عبيدة رسميًا صفة الناطق الإعلامي باسم كتائب القسام، وظهر في برنامج في ضيافة البندقية الذي عرضته قناة الجزيرة. وبصفته رئيس دائرة الإعلام العسكري في القسام، أشرف على أقسام عدة، منها التوثيق والتصوير، والعمليات النفسية، وإدارة المنصات الإعلامية، وإصدار البيانات المرئية والمكتوبة. وأجرى "أبو عبيدة” لقاءات حول مستقبل الكتائب ودورها عقب الانسحاب الإسرائيلي، مع عدد من وسائل الإعلام والصحف والمواقع الإخبارية العربية والمحلية التي توسع انتشارها في تلك الفترة. حضوره ناطقًا عسكريًا ومع بدء معركة "الفرقان” على قطاع غزة عام 2008-2009، برز دور "أبو عبيدة” لأول مرة في كونه الناطق العسكري باسم الحرب الدائرة، وصوت المقاومة الرسمي في إعلان البيانات الرسمية، والكشف عن خسائر الاحتلال، وكذلك إنجازات المقاومة ميدانيًا، فضلًا عن مخاطبة الجبهة الداخلية والشعوب العربية. وشكلّت معركة "العصف المأكول” على غزة عام 2014، ذروة سنام إطلالات "الملثم”، والحضور الأوسع لبياناته العسكرية، والتي كان أبرزها خطابه التاريخي في يوليو/تموز من ذلك العام، الذي أعلن فيه أسر الجندي "شاؤول آرون” في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة. وتنبّه الاحتلال في ذلك العام، لحجم حضور "أبو عبيدة” ورمزيته وتأثيره في وجدان الناس الداعمين لخيار المقاومة، لذلك شن حملة إعلامية عليه، زعم خلالها كشف هويته وبياناته الشخصية. وفي أبريل/نيسان من العام 2020، دشّنت كتائب القسام قناة خاصة عبر تطبيق "تليغرام” حملت اسم "أبو عبيدة – الناطق العسكري باسم كتائب القسام”، لتكون قناة إضافية لبث تصريحاته وبياناته، وتغريداته النصية، والتي حظيت بمتابعة نحو مليون مشترك. وكان حضوره لافتًا خلال الحروب التي شنها الاحتلال على القطاع، إذ حرص "أبو عبيدة” على توجيه رسائل نصية وتغريدات مقتضبة حول المستجدات الفلسطينية، واعتداءات الاحتلال ومستوطنيه على المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس المحتلة، وأيضًا إجراءاته وممارساته بحق الشعب الفلسطبني في الضفة الغربية المحتلة، والتلويح برد مرتقب للمقاومة الفلسطينية على هذه الاعتداءات. وخلال معركة "طوفان الأقصى” التي انطلقت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 واستمرت لمدة عامين، أصبح "أبو عبيدة” رمزًا وعنوانًا لصوت الميدان وأحداثه. وفي عام 2024، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على "أبو عبيدة”، بصفته المتحدث باسم القسام، معتبرة نشاطه جزءًا من ما وصفته بـ”دعم الإرهاب”. صوت المقاومة والقضية وعلى مدار 21 عامًا، شكّل "أبو عبيدة” صوت غزة والمقاومة التي حملت في كلماتها الصدق والحقيقة، خصوصًا فيما يتعلق بعمليات الاحتلال الفاشلة لتحرير أسراه من قطاع غزة، وبيانات مقتل المحتجزين منهم عبر القصف الجوي، بالإضافة إلى عمليات المقاومة وخسائر جنود الاحتلال خلال معارك القطاع. وأصبح ظهوره مقترنًا بالتهديد والوعد بالرد على الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ما جعل شخصيته هدفًا دائمًا للتحريض الإسرائيلي، ومحورًا رئيسيًا في حرب الرواية بين كتائب القسام والاحتلال. وبات الإسرائيليون أنفسهم ينتظرون إطلالاته بمزيج من الخوف والتوجس، ويصدقونه أكثر من بنيامين نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية. وكان لقب "أبو عبيدة” الأكثر انتشارًا وتداولًا ليس فقط على مواقع التواصل، ولكن في كافة أرجاء الكيان الإسرائيلي، كما في فلسطين والدول العربية والإسلامية. وحظيّت كلماته وخطاباته باهتمام بالغ وكبير في قطاع غزة وفي العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة إلى الاحتلال الذي كان يولي أهمية كبيرة لتصريحاته. وبرّز حضوره وشعبيته الواسعة في كل العالم والوطن العربي، وباتت إطلالته بالكوفية الحمراء والزي العسكري، أيقونة وملامح لشخصية حفظتها الأجيال، وتغنّت الشعوب بها، وهتّفت لها في الفعاليات والمسيرات التضامنية مع قطاع غزة وفلسطين. ويُنظر إلى "أبو عبيدة” في العالم كصوت للمقاومة والقضية الفلسطينية الذي يصدح دفاعًا عن قضيته وتوصيل رسالة شعبه، الذي يعيش تحت الاحتلال. وآخر ظهور لأبو عبيدة كان في مقطع مصور بتاريخ 18 يوليو/ تموز 2025، أكد فيه أن الفصائل الفلسطينية جاهزة لخوض "معركة استنزاف طويلة” ضد "إسرائيل”. وأبو عبيدة متزوج وله ولدان وبنتان، استشهد 3 منهم مع زوجته في عملية اغتياله، وهم ليان (15 عامًا)، منة الله (11 عامًا) ويمان (7 أعوام)، وبقي ابنه البكر إبراهيم. وفي 30 آب/ أغسطس 2025، استهدفت طائرات الاحتلال أبو عبيدة في حي الرمال غربي مدينة غزة، وأعلنت كتائب القسام اليوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2025 عن استشهاده. .